-->

قصة "حليمة" الامتحان الوطني 2018 مسلك الآداب




حليمة" الامتحان الوطني 2018 مسلك الآداب
يتأطر هذا النص ضمن النصوص التطبيقية لفن القصة، هذا الشكل النثري الحديث الذي وجد لنفسه مكانة بين الكتابات الإبداعية العربية بداية من القرن العشرين ، مستفيدا من انفتاح الأدب العربي على الآداب العالمية و تطور حركة الترجمة و النشر، فضلا عن اتساع دائرة القراء و المثقفين مع ما رافق ذلك من تغييرات اجتماعية و فكرية مست كل مناحي الحياة بالوطن العربي كان التمدن أبرزها. و يهتم هذا الفن بسرد مواقف و أحداث إنسانية أقرب ما تكون إلى روح العصر، و التقاط لحظات خاطفة من حياة الفرد و تصوير انشغالاته و همومه . ولا يستوي هذا الفن إلا بمقومات أساسية، أهمها الحدث والشخصيات، والزمان والمكان، و القالب الفني ، كما تتصف القصة القصيرة بقلة الكم ووحدة الانطباع مع تميز كل قصة بقالب فني يحدد شكلها.
و هكذا ظهر كتاب كبار رفعوا لواء القصة العربية عاليا يتقدمهم كل من محمود تيمور و زكريا تامر ،محمد إبراهيم بوعلو ،و يوسف إدريس ، و محمد زفزاف ،و أحمد بوزفور، و يبقى الكاتب المغربي محمد أنقار صاحب النص قيد الدراسة واحدا من الذين كرسوا إنتاجاتهم القصصية لهموم و انشغالات المواطن البسيط المغلوب على أمره.
• فما هو متن هذا النص القصصي ؟
• و ما الذي يميز بنيته السردية و قالبه الفني ؟
• و أين تتضح معالم الابداع القصصي عند محمد أنقار؟
النص مأخوذ من المجموعة القصصية "الأخرس" عن مطبعة فيديبرايت في طبعتها الأولى الصادرة سنة 2005. و حمل عنوان حليمة و هو اسم علم مؤنث يحيل على الصبر و التحمل ، و استنادا إلى عبارة الاستهلال "استطاع الزمن أن ينسي حليمة حرقة الترمل " نفترض أننا أمام قصة قصيرة سيطغى عليها الجانب النفسي و الاجتماعي، ستسرد ما عانته امرأة من شقاوة العيش و ضنكه •
يدور متن هذه القصة حول امرأة أرملة زادها العقم شقاء و حاجة، اعتادت استعارة ابن جارتها و مرافقته إلى دار أهل الخير في المناسبات الدينية لأنه شرط كل من أراد الظفر بطعام و لحم ،و بعد أن نجحت حليمة في أخذ ابن جارتها خدوج بإغرائها بجلب بعض قطع اللحم ، قصدت الدار فانضمت لإحدى الدوائر المتحلقة حول أطباق الكسكس، غير أن أنين الصغير و تبرمه و الروائح الكريهة المنبعثة منه حرم حليمة من إكمال الطعام، لتتراجع بسبب اشمئزاز الناس من حالة الولد، لكنها سرعان ما عادت لتظفر بقطع اللحم و تضع أخرى في تلافيف ثوبها لتضمن بها استعارة الطفل في المرة القادمة.
انتظمت أحداث هذه القصة وفق ثلاث متواليات سردية متعاقبة جسدت حالات و تحولات الحدث في القصة. فوضعية البداية شكلت الفرش العام للحدث من خلال استيقاظ حليمة على إيقاع الإحساس بحرقة العقم ، تناجي نفسها بشأن تحملها لذل استعارة أطفال الجيران مبدية خوفها من الفشل في استعارة ابن خدوج.
أما وضعية الوسط فقد وسمها عنصر مخل تمثل في نجاح حليمة في إقناع جارتها خدوج بإعارتها ابنها مقابل قطع من اللحم. وزاد من تطور الحبكة ولوج حليمة العرصة و التحاقها بإحدى الدوائر البشرية ، لتصير الأحداث أكثر تعقيدا بعد شعورها بالحرج بسبب حالة الطفل، و اضطرارها للتراجع و الانسحاب .
أما عنصر الانفراج فجسده ظفر حليمة بقطع اللحم بعد التحاقها بالحلقة من جديد بالرغم من نظرات الفضوليين. حولها.
و جاءت النهاية لتعلن اتصال الذات بالموضوع المرغوب فيه حيث غادرت حليمة الدار فرحة بضمان استعارة الطفل في المرة المقبلة .
نسج الكاتب أحداث القصة معتمدا على شخصية محورية و هي حليمة و يحيل اسمها على الحلم و كثرة صبرها و تحملها لأعباء العيش ،وقد ركز السارد على تبيان البعدين النفسي و الاجتماعي لهذه الشخصية.
فالبعد النفسي للبطلة ينبع من الأزمة النفسية التي تعيشها نتيجة شعورها بغدر الزمان بعد أن بقيت وحيدة أرملة، فأورثها ذلك عبئا و ضغطا كبيرين ،كما أنها تشعر بالذل و الدونية بسبب عقمها مما جعلها تتحسر على وضعها و تحس بالحرج و الحيرة في كل مرة تتقدم فيه لطلب شيء. كل هذا جعل منها شخصية متوترة و متقلبة المزاج خائفة لا تنعم بالأمن و الاستقرار النفسي و دلت رغبتها في البكاء على عمق أزمتها النفسية .
في حين تجلى البعد الاجتماعي لشخصية حليمة في الوضع المزري الذي تعيشه، فهي أرملة لم يكتب لها القدر أن تنجب ولدا يعيلها و يخفف عنها معاناتها ،تعيش من الطعام الذي يتصدق به أهل الخير. وضعها الاجتماعي الصعب جعلها تعيش في بؤس متراكم داخل كوخ قصديري ،تضطر لاستعارة أطفال الجيران لتحظى بطعام وافر.و الواضح كذلك أنها تجاور أناسا من نفس طبقتها يسلمون أولادهم للغير مقابل قطعة لحم.
اعتمد السارد الرؤية من الخلف فهو عالم بالرغبات السرية للشخصيات ،و مطلع على هواجسها و أفكارها، بل يحيط علما حتى بما يخالجها من أحاسيس داخلية (كادت تستسلم للبكاء...توتر نزاج حليمة...)
تأسيسا على ما سبق فإن قصة حليمة للكاتب محمد أنقار قد تناولت جانبا من الحياة التعيسة و الظروف الصعبة التي عاشتها امرأة تدعى حليمة، ذاقت جميع ألوان الشقاء و البؤس بعد ترملها و تجرعها لحرقة العقم ،ما جعلها تتحمل ذل استعطاف جارتها لإعارتها ابنها لترافقه الى دار أهل الخير لتظفر بالطعام و اللحم متحملة ما تسبب فيه من ازعاج و اشمئزاز لطالبي الطعام في سبيل الحصول على طعام تسد به جوعها و آخر تغري به والدة الطفل كي تسمح لها بمرافقته في المرة القادمة. من هنا نتأكد من صحة فرضيتنا السابقة بكون النص سيسرد قصة اجتماعية ستصور مشهدا من مشاهد البؤس و الفقر المتفشية في مجتمعنا.
وقد صاغ السارد قصته معتمدا قالبا فنيا حديثا احترم فيه توالي اللحظات السردية من بداية الى وسط و نهاية ،كما توغل في الأبعاد النفسية و الاجتماعية لتحديد ملامح الشخوص،،موظفا الرؤية من الخلف ليحيط خبرا بكل نوازع و هواجس الشخصية.

وقد حملت القصة رهان الكشف عن ما تعانيه فئات اجتماعية كثيرة أثقل الزمن كاهلها ، من تهميش و هشاشة و الفقر، لينتهي بها الأمر الى احتراف التسول أو البحث عن أساليب قاسية للحصول على الطعام و المال .كل هذا يحدث في ظل تغافل المجتمع عن إدماج هذه الفئات من أرامل و أيتام في النسيج التنموي و برامج التمية الاجتماعية و إحاطتها بالاهتمام و العناية، لتبقى القصة من خلال إثارتها لمثل هذه القضايا أقرب الفنون الأدبية إلى روح العصر، و مرآة تعكس ما وصلت اليه مجتمعاتنا من تخلف اجتماعي و تفاوت طبقي. 

المشاركات ذات الصلة

اشترك في آخر تحديثات المقالات عبر البريد الإلكتروني:

0 الرد على " قصة "حليمة" الامتحان الوطني 2018 مسلك الآداب"

إرسال تعليق

إعلان أسفل عنوان المشاركة

إعلان وسط المشاركات 1

إعلان وسط المشاركات اسفل قليلا 2

إعلان أسفل المشاركات