-->

تــحــلــيـل نموذج مسرحي (1) " اللـــحــن الــجــديـــد " – توفيق الحكيم

 


يعتبر المسرح أبا للفنون، والمسرحية فن أدبي نثري يقوم على مبدأ الحوار ويعالج القضايا الاجتماعية والفكرية والأخلاقية. ومن أهم عناصر النص المسرحي هناك: الشخصيات والزمان والمكان والأحداث... شأنه في ذلك شأن باقي النصوص الحكائية. ومن أهم أعلامه في الوطن العربي، توفيق الحكيم ومارون النقاش وعبد الكريم برشيد في المغرب مثلا.ويعد توفيق الحكيم من أبرز وأهم الكتاب الذين شق تجربة الكتابة المسرحية بالوطن العربي، وهو من مواليد الإسكندرية تقلد عدة مناصب إدارية، وله العديد من المؤلفات في ميادين معرفية مختلفة كالنقد والفكر والقصة والرواية والمسرح.وهو صاحب النص الذي بين أيدينا. إذن، فبملاحظتنا لبناء النص القائم أساسا على تبادل الأدوار في الكلام، والذي يدل على وجود حوار بين شخصين، وبالرجوع إلى المصدر(المصدر الممنوع). واستنادا على صاحب النص (توفيق الحكيم) يمكن الافتراض بأن هذا النص – الذي بين أيدينا- نص مسرحي يندرج ضمن النصوص النثرية الحديثة. وانطلاقا من دلالة العنوان (تجدد السعادة والسرور)، وبالرجوع على بداية النص ونهايته، واستنادا على قراءتنا الأولية له، يمكن الافتراض على أن هذا النص جاء لرصد قضية اجتماعية لها حساسية كبيرة، ويتعلق الأمر بتدخل شخصية الحماة في العلاقة الزوجية بين الزوج والزوجة.إذن، فإلى أي حد مثل هذا النص مقومات النص المسرحي؟ وإذا كان النص عبارة عن نص مسرحي، فما مظاهر الصراع التي يعكسها؟ ثم ما طبيعة القضايا التي يتناولها بين طياته؟

1 – جرد الأحداث: تصور لنا المسرحية جو الفرحة والسرور والكلام المعسول المتبادل بين الزوجين، فحمدي يؤلف ألحانا جميلة لوجدان، بينما هذه الأخيرة تنسق أزهارا عطرة تسلمتها من حمدي.لكن سرعان ما تحقق انتقال مفاجئ من الكلام المعسول إلى حديث عن عواصف الاستياء والتذمر للحماة من الزوج( حمدي)، مما دفع بوجدان إلى تبرئة أمها مما نسب إليها حفاظا على هدوء الجو بينهما في محاولة لإرضائه. ثم إشعار الحماة للزوج بالتفكير في حق زوجته، وذلك عبر قيامها بأفعال وسلوكات بديلة. وفي الأخير انتهت المسرحية ببقاء الحال على ما هو عليه في المواقف دون حدوث أي خلل.

2 – أبعاد الحدث ودلالاته: العرض لجملة من المشاكل المتعلقة بالأسر، ثم التدخل الساخر لشخصية الحماة، والفضول والتطفل- لبعض أمهات الزوجات- على بعض الأمور الخاصة بالزوجين. إضافة إلى رصد الصراع الاجتماعي بين الطرفين اللذين لم يكونا سببا مباشرا فيه.

3 – الرهانات: راهن توفيق الحكيم في هذه المسرحية على رصد التباين الطبقي بين الزوج والزوجة بسبب نشوء الصراع، ثم انتقاده لظاهرة المساواة في الحياة السرية الخاصة بالزوجين، علاوة عن محاولة بلورة الفن المسرحي في شكله لدى توفيق الحكيم، محاولة تقوم على تأصيل للتجربة المسرحية لدى المصريين والعرب بصف عامة. واعتبار الحب والمودة والإخلاص والحوار الهادئ وسيلة لتجاوز العقبات والمشاكل التي تعترض الحياة الزوجية.

4 – الخطاطة السردية: وإذا تأملنا وقائع هذه المسرحية،من بداية النص إلى نهايته، نجد أنها تنتظم في خطاطة سردية تقوم على تعاقب سلسلة من الحالات والتحولات، فالحالات هي مجموع الأفعال والسلوكات التي تقرب الذات من إدراك الموضوع ( اللحن الجديد، إرضاء الحماة)، أما التحولات فهي مجموع الأفعال التي تنجزها الذات للانتقال من حالة إلى أخري ( اختلاق مبررات)، وقد انتهت القصة باتصال الذات بالموضوع المرغوب فيه (الحفاظ على الهدوء )، وانفصالها عن الموضوع المرغوب عنه (الفراق). ويمكن التمثيل للخطاطة السردية وفق الجدول الآتي:

الوضعية البدئية

أحداث الوسط والتحول

الوضعية النهائية

تصوير حالة الفرحة والسرور والكلام الجميل المتبادل بن الزوجين احتفالا بمرور شهر العسل الثاني على زواجهما

حدث طارئ

الوسط (العقدة)

الحل

انتهاء أحداث المسرحية مع الحفاظ على أجواء المودة بين حمدي ووجدان مع احتفاظ كل منهما بحنانه.

الانتقال المفاجئ من الكلام المعسول إلى مناقشة مواقف التذمر، واستياء الحماة من الزوج

محاولة وجدان تبرئة ساحة الحماة مما نسب إليها عبر حمدي، وتقديم الأعذار للحفاظ على المودة بينهما.

فشل وجدان في إقناع حمدي ببراءة أمها مع الحفاظ على جو الهدوء بينهما.

حالة توازن

الــلاتوازن

التوازن الجزئي

عودة التوازن

 

5 – الشخصيات: تشكل الشخصيات "وجدان" و"حمدي" و"الحماة" أهم القوى الفاعلة داخل النص. وفي علاقتها المتعددة تكشف لنا عن قوى فاعلة أخرى من آخر: اللحن، الأزهار، البيانو، الحب،.... ويمكن التمثيل لذلك وفق ما يلي:

الشخصية

نوعها

مظهرها الخارجي

بعدها النفسي

بعدها الاجتماعي

حـــمــدي

رئـــيــســيــة

يؤلف ألحانا جديدة لزوجته وجدان.

إظهار القلق والإحراج من أفعال الأم / إظهار مشاعر الحب والمودة لوجدان

زوج مخلص لزوجته/ ينتمي إلى طبقة اجتماعية متوسطة.

وجـــدان

رئـــيــســيــة

تنسق أزهارا عطرة لزوجها حمدي.

إظهار العلل والحجج لتبرئة أمها مما نسب إليها/ إظهار الحب والإخلاص لزوجها، وحرصها على بقاء العاطفة وطيدة.

زوجة مخلصة لزوجها وخائفة على مستقبل العلاقة الزوجية.

امرأة مطلقة من زوج سابق.

الــحــمــاة

ثــــانــوية

*******************

  تتسم بالفضول والتكبر والتطفل/ تتدخل فيما لايعنيها          تكره حمدي/ الطمع والجشع

تبدو علبها ملامح الطبقة الراقية

 

يبدو أن الكاتب انتقى شخصياته من الواقع المعيش البعيد عن الخيال، بل إن هناك تطابقا بين الشخصيات الموجودة في النص المسرحي وما يقابلها في الواقع. والملاحظ هو أن هذه الشخصيات عبر عنها بطريقة تشعرنا بانتمائها إلى طبقة اجتماعية راقية، وهي تنسجم، بذلك، مع الفضاء الذي توجد فيه، وهو الشقة الجميلة.

6 – النموذج العاملي:إن تطور الأحداث، من البداية إلى النهاية، قد ساهمت فيه مجموعة من القوى الفاعلة، ويمكن تشخيص هذه القوى الفاعلة، وتحديد أدوارها، وتوضيح مختلف العلاقات القائمة بينها في النموذج العاملي التالي:

 

                                                            عـلاقة إبــلاغ

الــمـرسـل

(مرور الشهر الثاني على الزواج)

الــمـوضــوع

( اللحن الجديد)

الــمـرسل إلـيـه

( وجدان)

 

 

 


                                 علاقة رغبة

الــمـعــارض

(الحماة)

الـمـسـاعــد

(البيانو - الحب)

الــــذات

(حمدي)

                                                

 

 

 


                                                 

                                                         عـــلاقة صــــــراع

                                                

7 – الصراع الدرامي: يتجسد الصراع الدرامي في الصراع بين مواقف إنسانية مختلفة. ويتمثل ذلك فيما يلي:

"وجدان" و"حمدي": النموذج المثالي للحياة الزوجية التي يسودها الحب. ( = الموقف المعنوي).

أم الزوجة: النموذج السلبي الذي يهتم بالماديات فقطن ويعمل على تحطيم العلاقات الإنسانية الشريفة.(=الموقف المادي).

وهكذا، صورت المسرحية ذلك الصراع بين فئات اجتماعية مختلفة، قد تربطها علاقة القرابة، ومع ذلك قد لا يتحقق القرب، فيكون طرف في جانب بنظرته المعنوية للحياة، ويكون الطرف الآخر في الجانب المقابل بنظرته المادية، فينشأ الصراع.

8 – المكان: للمكان دور أساسي في صناعة الحدث وتطويره، ويمكن تحديده وفق ما يلي:

المكان

مواصفاته

أبعاده ودلالاته

الشقة القديمة

الفقر- عشة فراخ- حقيرة- لا تليق بمقام وجدان.

خلقت نوعا من المشكل والصراع بسبب ضيقها.

الشقة الجديدة

جميلة- واسعة- تطل على النيل- توجد بمدينة الزمالك.

محاولة لإرضاء الحماة- التخفيف من حدة الصراع- الحفاظ على التوازن- تجديد الحياة

9 – الزمان: تم التعبير عن هذا العنصر في النص بصيغ متنوعة مثل: "تاريخ الزواج، شهر يناير وفبراير ومارس، منذ عشرين يوما، شهر العسل..". وقد وصف بأنه جميل (شهر العسل على حد تعبير حمدي). فاجتمع هذا الزمان الجميل مع المكان الجميل( الشقة الجميلة) والشعور الجميل الذي يجمع بين الزوجين، فترجم كل هذا الجمال وعبر عنه بواسطة وسيلة جميلة هي (اللحن الجديد). وبهذا يتضح الانسجام الكبير في النص بين وحداته كلها.

10- تحديد الرؤية السردية: إن الرؤية السردية المؤطرة للنص المسرحي لا تعدو أن تكون سوى(رؤية من الخارج)، وذلك لكون السرد ضعيف في النص والسارد ليس شخصية مشاركة في الحدث. فقد اقتصر دوره على تقديم بعض الجزئيات المتعلقة ببعض الأمور التي يعجز القارئ على توقعها وتصورها. بالإضافة إلى أن معرفة السارد تبدو أقل من معرفة الشخصيات. هذا فضلا عن أن ما ورد من كلام السارد بضمير الغائب قليل، ومن مثيل ذلك قوله:" شاردة فجأة".

11- الحوار: تكشف لنا القراءة الأولية للنص، منذ الوهلة الأولى، عن هيمنة وطغيان تقنية الحوار، وذلك بناء على الكلام المتبادل بين الشخصيات بشكل مباشر من تعاقب الاسمين (وجدان وحمدي)، كما نخلص إليه أيضا من خلال بعض الإشارات الدالة عليه كعلامات الترقيم (: "...")، وأيضا بعض العناصر الأخرى كما سنرى. إن وجود الحوار بهذه الكثافة، وقيام النص عليه،  يؤكد لنا أن النص مسرحية، إذ الحوار هو ما يميز النص المسرحي، كما يميز السرد القصة. والحوار لا يمكن أن يؤدى إلا بوجود شخصيات أو قوى فاعلة.

12- البعد الاجتماعي: تعالج المسرحية ظواهر اجتماعية متنوعة أهمها: الزواج والسكن والعلاقات السرية والقرابة والمشاكل السرية.

13- البعد النفسي: تكشف المسرحية عن العديد من الظواهر النفسية كالحب والسعادة والطمع والجشع والاختلاف والتفاهم والكراهية والصبر والتضحية.

14- اللغة في المسرحية: تتميز لغة المسرحية بالتنوع والغنى، ونتحدث عن ذلك في المحاور التالية:

الضمائر: نسجل في النص تنوع الضمائر، إذ نجد : ضمير المتكلم (أنا، زواجنا...)، وضمير المخاطب 'أنت، نفسك، لقيامك..)، وضمير الغائب(هي). ونلاحظ هيمنة ضمير المتكلم وضمير المخاطب، وهو ما ينسجم دائما مع "الحوار" الذي يشكل ركيزة أساسية في النص المسرحي.

الجمل: لقد راوح الكاتب بين الجمل الاسمية التي تدل على الثبات كقوله (تقويم جديد). ويتمثل في النص مثلا في الحالة التي بقي عليها الزوجان، من الحب، رغم الخلافات التي وقعت في حياتهما نتيجة وجود أم الزوجة.والفعلية التي تعبر عن الحركة والدينامية كما تمثلها التفاعلية بين الزوجين، وبينهما وبين العنصر الثالث "الحماة". كما تتمثل أيضا في حياة الزوجين التي عرفت وتعرف وستعرف مجموعة من الأحداث والتحولات التي عبرت عنها أزمنة الأفعال التي جاءت في الماضي (انتقلنا، فعلت)، والحاضر (أشكرك، أرجوكن تمر، تزفر..)، والمستقبل (سأقول شهر العسل الأول). بهذا نجد تنوعا في الأزمنة، الأمر الذي يدل على الشمولية. إلا أن الملاحظ في النص، هو غلبة الأفعال الدالة على الحاضر، وهذا ينسجم مع الحوار الذي هو عنصر مهم من العناصر المميزة لجنس المسرحية.

الأسلوب الخبري: الأسلوب الخبري يخاطب العقل والفكر. ولذلك، فهو يأتي لغرض الإخبار الذي قد يستعين بآليات لإقناع المتلقي مثل المؤكدات التي تتضح في الأمثلة التالية: (إنك تعلمين أنني لا أضيق بها على الإطلاق، إني لم أجرب على كل حال، لقد ظهر عليها الارتياح).

الأسلوب الإنشائي: إن كان الأسلوب الخبري يخاطب العقل، فإن الإنشائي يخاطب الشعور والعاطفة. لهذا، وجدنا النص مليئا بهذا الأسلوب الذي جاء بمجموعة من الصيغ: الاستفهام ( منذ متى؟ أهذه حياة؟ هل استمعت إلى كلامك؟). والأمر (انتظري اللحن الجديد – انصرف إلى ألحانك). والنهي ( لا تتصور أوهاما، لا تؤاخذها). والنداء (يا وجدان، يا صاحبة الجلالة، يا حمدي). وهذه الصيغ من صيغ الإنشاء الطلبي التي تدل على وجود علاقة بين طرفين "طالب" و"مطلوب منه"، وهو ما يشير إلى الحوار.

15- الرهان: يسعى المؤلف إلى الوصول بنا إلى فكرة أساسية محورية تتعلق بالكائن البشري على المستوى الفردي والجماعي، هي إثبات أن وجود الحب يزيل كل العقبات التي قد توجد في طريقه، حتى ولو كانت داخلية تعيش مع الزوجين، فهو قادر عللا الانتصار على كل المشاكل كيفما كانت ومهما بلغت. وهكذا تكون المسرحية قد عالجت ظاهرة الزواج، وما يرتبط بها في قالب فني ممتع نخلص معها إلى ضرورة اعتبار الحب أساس العلاقة الزوجية والعلاقات الإنسانية عموما.

صفوة القول، إن النص الذي درسناه، ملاحظة وفهما وتحليلا، نصا مسرحيا عالج فيه الكاتب المصري توفيق الحكيم ظاهرة الزواج وما يرتبط بها في قالب فني ممتع نخلص معها إلى أن علاقة الحب بين الزوجين ظلت قائمة، ولم تستطع الأزمات أن تنال منها، فكان ا الغاية الكبرى من هذا النص الذي عالج صراعا دراميا بين مواقف مختلفة في قالب لغوي اتخذ من الحوار أساسا له في تجسيد الحدث الذي يدور عليه النص .وقد قام النص على التوظيف الرمزي للشخصيات والقوى الفاعلة والزمان والمكان واللغة من أجل الكشف عن مجموعة من المعاني والدلالات الاجتماعية والنفسية، كما اعتمد على التشويق وإثارة المتلقي لتحقيق المتعة.

وإذا كانت هذه هي الخصائص التي تميز المسرحية، وقد استجاب لها النص، فإنه يعد، مسرحية قد جسد صاحبها خصائصها بشكل جيد حتى جعل من هذا الجنس النثري الحديث مرحلة مهمة من مراحل تطور الأدب العربي عموما، وإضافة نوعية متميزة في النثر العربي الحديث خاصة.

 


اشترك في آخر تحديثات المقالات عبر البريد الإلكتروني:

0 الرد على "تــحــلــيـل نموذج مسرحي (1) " اللـــحــن الــجــديـــد " – توفيق الحكيم"

إرسال تعليق

إعلان أسفل عنوان المشاركة

إعلان وسط المشاركات 1

إعلان وسط المشاركات اسفل قليلا 2

إعلان أسفل المشاركات