-->

القراءة التحليلية للنص النظري " من السياق الأدبي إلى السياق الاجتماعي" – صلاح فضل

 

القراءة التحليلية للنص النظري " من السياق الأدبي إلى السياق الاجتماعي" – صلاح فضل

 


يعتبر المنهج الاجتماعي من المناهج الأساسية في الدراسات الأدبية والنقدية. والحديث عن المنهج لا يتم إلا باستحضار مجموعة من المصادر المعرفية التي تضافرت كلها لتشكيل ملامحه، وتحديد رؤيته، وصياغة مفاهيمه في دراسة الإبداع الأدبي، كالفلسفة المادية، والتيار الواقعي، والفكر الاشتراكي الماركسي، وعلم الاجتماع... وقد مر هذا المنهج بمجموعة من المراحل والاتجاهات ابتدأت بظهور كتاب مدام دوستاييل " الأدب في علاقته بالمؤسسات الاجتماعية"، ثم تطورت بظهور " التيار الجدلي" بريادة لوكاتش، وبعده بظهور "علم اجتماع الأدب" على يد كل من إسكاربيت وغولدمات، وانتهت بظهور "علم اجتماع النص" على يد بيير زيما. ورغم تعدد هذه الاتجاهات والتيارات، فإن القاسم المشترك بينهما يبقى هو الواقع بكل مظاهره وتجلياته. ولا شك أن فعالية هذا المنهج في التحليل جعلت كثيرا من الكتاب والنقاد العرب ينجذبون إليه، ويؤلفون حوله كتبا كثيرة تتوزع بين التنظير والتطبيق، ويأتي في طليعة هؤلاء الكاتب والناقد المصري صلاح فضل، خاصة من خلال كتابه "منهج الواقعية في الإبداع الأدبي" الذي اقتطف من هذا النص .فبمجرد قراءتنا للسطر الأول من النص، وعنوانه ومصدره، نستطيع أن نقف على مؤشرين دالين على موضوعه، ويتحدد ذلك في كلمت "منهجان" وعبارة "دراسة اجتماعية الأدب"، فهذان المؤشران يوحيان بأن موضوع النص يتعلق بطرح نظري حول "المنهج الاجتماعي".إذن، ما القضية النقدية التي يطرحها النص؟ وما العناصر المكونة لها؟ وما خصائص المنهج الاجتماعي من خلاله؟ وما خصائص المنهج الاجتماعي من خلال النص؟ وما الوسائل الحجاجية التي اعتمدها الكاتب في معالجة هذه القضية؟ وإلى أي حد استطاع أن يقدم لنا تصورا نظريا واضحا حول المنهج الاجتماعي؟

تتحدد القضية النقدية التي يطرحها النص في إشارة الكاتب – الناقد إلى وجود منهجين واضحين في دراسة اجتماعية الأدب. وقد تضمنت هذه القضية عنصرين أساسيين هما: علم اجتماع الظواهر الأدبية (من قول الكاتب: أما المنهج الأول... إلى قوله: ... الطابع الاجتماعي للأدب). وقد تناول الكاتب في هذا العنصر الموضوع الذي يهتم به علم اجتماع الظواهر الأدبية بريادة إسكاربيت، ثم المراحل التي يمر بها في دراسة الظاهرة الأدبية، بدءا بمرحلة الإنتاج، ومرورا بمرحلة التسويق، وانتهاء إلى مرحلة الاستهلاك، مع الإشارة إلى مختلف المصطلحات والمفاهيم الموظفة في هذا المنهج.و العنصر الثاني يتمثل في علم اجتماع الإبداع الفني(من قول الكاتب: ويصوغ غولدمان ... إلى قوله: وسائل التعبير الفنية). وقد تضمن هذا العنصر كذلك الإشارة إلى الموضوع الذي يهتم به علم اجتماع الإبداع الفني بزعامة غولدمان، ثم المرحلتين الأساسيتين اللتين يعتمدهما في دراسة الظاهرة الأدبية ابتداء من مرحلة الفهم ووصولا إلى مرحلة الشرح أو التفسير، مع تحديد العلاقة بين هاتين المرحلتين، ومختلف المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بهما.

وانطلاقا من العنصرين السابقين، يمكن تحديد موضوع كل منهج، ومراحله، وخصائصه، وجهازه الاصطلاحي في الجدول التالي:

المنهج

علم اجتماع الظواهر الأدبية (إسكاربيت)

علم اجتماع الإبداع الفني في الأدب (غولدمان)

موضوعه

دراسة وسائل الاتصال والنشر والتلقي والتأثير في القارئ.

دراسة الخلق الجمال في صلته بالمؤلف والمجتمع.

مراحله

-* دراسة الأوضاع المختلفة للكاتب باعتباره منتج السلعة الأدبية.

-* دراسة الجوانب الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بتسويق العمل الأدبي (الكتاب).

دراسة الاستهلاك الأدبي أو القراءة وأنواعها وظروفها.

-* مرحلة الفهم ( دراسة المكونات الداخلية للنص، والانتهاء إلى استخلاص البنية الدالة المتحكمة في العمل الأدبي).

-* مرحلة الشرح أو التفسير (ربط النص بالواقع الخارجين وبيان رؤية العالم للفئة الاجتماعية التي يعبر عنها المؤلف).

جهازه الاصطلاحي

-* الإحصائيات، البيانات، الاستفتاءات، الإنتاج، التسويق، الاستهلاك، السلعة الأدبية، الأوضاع الاقتصادية، عملية النشر، ميكانيزم التوزيع، التذوق الفني ....

-* البنية الدالة، رؤية العالم، الدراسة، الفهم، التفسير، الشرح، الإطار الاجتماعي، الضمير الجماعي، الوعي الجمالي، الفوارق الفردية، الواقع الخارجي، الفئة الاجتماعية

وبالانتقال إلى الجهاز المفاهيمي أو الشبكة المفاهمية الموظفة في النص، أمكننا جرد جملة من المصطلحات والعبارات، وتصنيفها إلى حقول دلالية، بيان العلاقات القائمة فيما بينها، وذلك كالآتي:

المصطلحات والمفاهيم الدالة على الحقل الاقتصادي: الإنتاج، التسويق، الاستهلاك، الأوضاع الاقتصادية، منتج السلعة، الظروف المالية، الارتزاق، ترويج، كساد،النجاح الاقتصادي...

المصطلحات الدالة على الحقل الاجتماعي: علم اجتماع، الظواهر الاجتماعية، الانتماءات الطبقية، الأجيال، الظروف الاجتماعية، البنية الاجتماعية، الجوانب الاجتماعية، الطابع الاجتماعي...

المصطلحات الدالة على الحقل الأدبي والفني: اجتماعية الأدب، الظاهرة الأدبية، الإبداع الفني، الوعي الجمالي، التذوق الفني...

إن معالجة الكاتب لهذه القضية النقدية، قد استدعت اتباع خطة منهجية وتفسيرية وحجاجية تضافرت فيها الوسائل التالية:

القياس الاستنباطي:وقد انطلق الكاتب بموجبه من مبدإ عام هو "وجود منهجين واضحين في دراسة اجتماعية الأدب"ن ثم انتقل بعد ذلك للتدليل على هذا المبدإ بتحديد هذين المنهجين، وإبراز خصائصهما، ومراحلهما في دراسة الظاهرة الأدبية.

التعريف: ونجده بالأساس في تعريف الكاتب لكل منهج، حيث يقول: "الأول يمكن تسميته علم اجتماع الظواهر الأدبية وما يرتبط بها من وسائل الاتصال والنشر والتلقي والتأثير.. والثاني يمكن تسميته بعلم الإبداع الفني في الأدب". كما يعرف "رؤية العالم" بكونها" مظهر الوعي الجمالي الذي يصل في الأدب إلى أقصى درجة الوضوح الذهني والعيني في ضمير المفكر أو الشاعر".

الوصف: ونستدل عليه بما قاله الكاتب في وصف العمل الفني العظيم، حيث يقول:" من هنا فإن العمل الفني العظيم لا يعبر عن رأي الكاتب وإنما عن رؤيته للعالم بشقيها الجماعي والفردي، وهو يعتبر مظهر الوعي الجمالي الذي يصل في الأدب..".

المقارنة: ويوظفها الكاتب لإظهار الفرق بين مرحلة الفهم ومرحلة التفسير في منهج غولدمان، باعتبار الأولى تركز على داخل النص، بينما تركز الثانية على خارجه، وفي هذا يقول: "فإذا كان الفهم يميز البنية الدالة للعمل الأدبي فإن الشرح يشمل إدراج هذه البنية في أخرى أكبر منها..".

الاستشهاد: وفيه يستحضر الكاتب قول "إسكاربيت" بخصوص دراسة علاقة الظواهر الجمالية بالطابع الاجتماعي للأدب، كما يستحضر قول "بياجيه" في تعريفه للبنية الدالة.

وبالإضافة إلى الوسائل السابقة، تعزز الجانب التفسيري الحجاجي، بحرص الكاتب على تحقيق الترابط بين الجمل والكلمات والفقرات، وذلك باستعمال مجموعة من وسائل الاتساق، أهمها الإحالة التي تكون تارة بواسطة الضمائر (هو، هما، هم، هي، ها ...)، وتارة أخرى بواسطة أسماء الإشارة (هناك، هذا، هنا، تلك، هذه، ....)، وتارة ثالثة بواسطة الأسماء الموصولة (التي ، الذي، ما، ...). وهناك أيضا الاتساق عن طريق الوصل بأنواعه المتعددة، كالربط التماثلي (الواو، الفاء، ثم، أو، أم، أي،...)، والربط العكسي (إلا أن، على أن، بينما،...)، والربط السببي (، وعلى هذا، ومن هنا، لهذا، وفي هذا،...)، والربط الزمني( من قبل، عندئذ،...). ثم هناك كذلك الاتساق المعجمي، سواء القائم منه على التكرار، كتكرار التطابق الذي يتجسد من خلال تكرار الكلمات والعبارات التالية: (علم الاجتماع، المجتمع، الأدب، الدراسة، البنية الدالة، رؤية العالم..)، أو تكرار الترادف الذي يظهر في الترادفات التالية: ( الكتاب= الأدباء / الدراسة= التحليل / الاقتصادية= المادية / الإبداع الفني= الإبداع الثقافي...)، أو التكرار القائم على التضاد ك:( الإنتاج /الاستهلاك، الفردية/الاجتماعية، جزئيا/ كليا...)، أو ربط الكل بالجزء، مثل: (منهجان: المنهج الأول، المنهج الثاني/ فكرتان: الفكرة ا|لأولى، الفكرة الثانية / مراحل التحليل: المرحلة الأولى، المرحلة الثانية، المرحلة الثالثة).

ولتحقيق قراءة منسجمة، يراهن الناقد على مدى قدرة القارئ على الفهم والتأويل، وما يرتبط بذلك من عمليات كالحذف\ن والبناء، والتعميم، ومعرفة السياق، وتوظيف الخبرات السابقة. كما يراهن كذلك على معرفته الخلفية وكيفية انتظامها في ذاكرته على شكل بنيات ذهنية كالأطر، والمدونات، والخطاطات، فهو يفترض مثلا معرفة القارئ بإطار المناهج والأدب، وبسيناريو الدراسة والتحليل، وبمدونة الفهم والشرح، وعيرها من القدرات المعرفية والمهارات المنهجية التي تمكنه من قراءة منسجمة للنص

تأسيسا على ما سبق، نستنتج أن النص يعالج قضية نقدية تتعلق بالحديث عن أبرز منهجين في دراسة اجتماعية الأدب، وهماك علم اجتماع الظواهر الأدبية، وعلم اجتماع الإبداع الفني في الأدب، مع ذكر موضوع كل واحد منهما، ومراحله في دراسة الظاهرة الأدبية، بالإضافة إلى الإشارة إلى مختلف المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بهما. وقد اعتمد الناقد في معالجة هذه القضية مجموعة من الوسائل المنهجية والتفسيرية والحجاجية، كالطريقة الاستنباطية، والتعريف، والوصف، والمقارنة، والاستشهاد، بالإضافة إلى الحرص على تحقيق الترابط بين الجمل والفقرات عن طريق استعمال مجموعة من أدوات الاتساق والانسجام. ولتحقيق قراءة منسجمة للنص، راهن الناقد على قدرة القارئ على الفهم والتأويل، كما راهن على معرفته الخلفية وطريقة انتظامها في ذاكرته على شكل بنيات ذهنية.

وخلاصة القول، فإن الناقد قد قدم، من خلال نصه هذا، تصورا نظريا واضحا حول الدراسة الاجتماعية للأدب، وهذا يجعل من النص وثيقة هامة يمكن الرجوع إليها لتعزيز الرصيد المعرفي في الموضوع. كما أنه حرص على توضيح الأفكار، ومحاولة الإقناع بصحتها، من خلال توظيف كوكبة من الأساليب الاستدلالية المناسبة.  

اشترك في آخر تحديثات المقالات عبر البريد الإلكتروني:

0 الرد على " القراءة التحليلية للنص النظري " من السياق الأدبي إلى السياق الاجتماعي" – صلاح فضل"

إرسال تعليق

إعلان أسفل عنوان المشاركة

إعلان وسط المشاركات 1

إعلان وسط المشاركات اسفل قليلا 2

إعلان أسفل المشاركات