القراءة التحليلية لمؤلف في الطفولة (بنية الخطاب السردي + الشخصيات + الزمكان)
بنية
الخطاب السردي في الرواية
وإذا
تأملنا بنية الأحداث القصصية سنجد الحبكة السردية تنبني على البداية والعقدة
والصراع والحل والنهاية. وتتمثل البداية في الاستهلال الذي يستند إلى المنظور
الفضائي الزمكاني و تقديم الشخصيات التي ستكون محور القصة على غرار الرواية
الواقعية. أي إن الكاتب استهل روايته بتقديم الزمان ومكان الأحداث والشخوص
الرئيسية في الرواية لينتقل بعد ذلك إلى تحديد العقدة التي تتشخص في معاناة الكاتب
من الاغتراب الذاتي والمكاني والازدواج الحضاري وتناقض البيئتين التي عاش فيهما
الكاتب وتأثيرهما السلبي على نفسيته الرقيقة وصحته الضعيفة، ناهيك عما رآه من
مشاكل و عاشه من أزمات نفسية و اجتماعية و مالية واجهت أفراد أسرته كموت أمه وأخته
وجده وزوجة عمه وإفلاس أبيه ومرضه العضال الذي أوشك أن يؤدي به إلى التهلكة دون أن
ننسى ما لقيه الطفل من صعوبات في التأقلم مع البيئة المغربية، وما عرفه من مصاعب
في التعلم واكتساب اللغة العربية ونحوها، وما عاناه من جراء غطرسة المستعمر وما
كابده من قسوة الطبيعة خاصة في مانشستر. أما الصراع الدرامي في الرواية فيتجسد في
مواجهة الذات لمجموعة من العوائق والإحباطات وتجاوز الواقع الذاتي و التكيف مع
الواقع الموضوعي و تحقيق الفوز في التواصل مع فضاءين مختلفين ومتناقضين حضاريا
وثقافيا. أما حل هذه الحبكة السردية فيكمن في الانتصار وتحدي العوائق الطبيعية
والاجتماعية والسياسية والتربوية ليظفر في نهاية الأمر بجواز السفر للانتقال إلى القاهرة
لمتابعة دراساته الجامعية وتحقيق ماكان يطمح إليه في مجال الكتابة والإبداع في
المغرب وخارجه.
الشخصيات:
قد وظف الكاتب شخصيات متنوعة في نصه ، فهناك شخصيات
تنتمي إلى وحدة الأسرة كالأب والأم والأخت ، وشخصيات تنتمي إلى وحدة العائلة
الكبرى كالجد والجدة والعم وزوجة العم و الزوار المراكشيين،.....وشخصيات تنتمي إلى
وحدة الفكر والأدب كعبد الكريم غلاب وعبد الكريم بن ثابت، وشخصيات تنتمي إلى وحدة
التعليم والتربية كالمعلمين والأساتذة والمدير والفقهاء.....وشخصيات أجنبية مثل :
أسرة آل باترنوس ومسز شالمداين.... ولكن ما يلاحظ على هذه الشخصيات أنها شخصيات تاريخية
وواقعية عاشت فعلا في الواقع الموضوعي كشخصيات الفكر والفن والأدب، بينما هناك
شخصيات خاضعة للتخييل والتشويق الفني وأغلبها جاءت نكرة بدون ذكر أسمائها الحقيقية
. ويعني هذا أن شخصيات الرواية إما أنها شخصيات تاريخية واقعية يقصد بها الكاتب
التوثيق والتأريخ والاستشهاد الموضوعي وإما أنها شخصيات فنية تخييلية عابرة
يستعرضها الكاتب من أجل أهداف فنية ليس إلا. ولكن يبقى الكاتب هو الشخصية الرئيسية
المحورية النامية داخل مسار النص الروائي لدينامكيتها وانفتاحها على الأحداث
إيجابا وسلبا.
الزمان و المكان
يستحضر الكاتب في نصه في فضائين متقابلين: فضاء
إنگلترا وفضاء المغرب، وبتعبير آخر يذكر فضاء مانشستر وفضاء فاس، وهنا نسجل جدلية
الداخل والخارج، وجدلية الانفتاح والانغلاق، فضلا عن جدلية التغريب والتأصيل، كما
يدل الفضاءان على الصراع الحضاري والثقافي والديني. كما تتقابل الأمكنة العامة
والخاصة للإحالة على مجموعة من القيم والسمات المتقابلة كالتطور والتخلف، والعلم
والجهل، والمادة والروح، والبداوة والحضارة...
ومن حيث التأشير الزمني ، تعود الرواية إلى فترة مابعد الحرب العالمية الأولى، حيث
ينتقل الكاتب مكانيا في إطار صيرورة الهجرة والاغتراب من الدار البيضاء إلى
مانشستر، فالعودة إلى الدار البيضاء ثم الاستقرار في مدينة فاس:" قيل إنني
ولدت في مدينة الدار البيضاء ثم قضيت في تلك المدينة بضعة أشهر، ثم ركبت البحر بين
ذراعي أمي إلى انجلترا، وقد كان ذلك بعد الحرب العالمية الأولى، أي إنني مررت في
بلاد حديثة العهد بالحرب، ومع ذلك لا أذكر منها شيئا يدل على أنني كنت انتفع
بالنظر أو التمييز. وتنتهي عند سنة 1937م إبان سفر الكاتب إلى مصر ودخول المغرب في
مرحلة المفاوضات مع المستعمر الأجنبي ومطالبته بالإصلاحات السياسية والاجتماعية
والإدارية والاقتصادية والتربوية."
0 الرد على "القراءة التحليلية لمؤلف في الطفولة (بنية الخطاب السردي + الشخصيات + الزمكان)"
إرسال تعليق