-->

الــقــراءة الـتـحـليلية للنص النظري " سؤال الذات في الرومانسية العربية"

 


الــقــراءة الـتـحـليلية للنص النظري
" سؤال الذات في الرومانسية العربية"

ظهرت الرومانسية العربية في أوائل القرن العشرين استجابة لمجموعة من التغيرات التاريخية والسياسية والاقتصادية، حيث هيمن على المجتمعات العربية مناخ يسوده القهر والفقر، والتخلف والمعاناة... ومن هنا لم تعد الكلاسيكية قادرة على مواكبة المرحلة التاريخية التي عايشها الشعراء الرومانسيون، الذين التفوا حول مبدإ الحرية والطلاقة، والتعبير عن دواخل النفس، قصد تحرير الإنسان من سلطة القهر، والتطلع به إلى عالم مثالي، تؤثث فضاءاته عوالم الطبيعة، أو عالم الغاب بشكل عام. وقد ساعد على ترسيخ المذهب الرومانسي لدى هؤلاء الشعراء انفتاحهم على الثقافة الغربية، وترجمة نصوص أدباء الرومانسية من أمثال: فكتور هيكو، ولامرتين... .وإذا كانت الرومانسية مذهبا شعريا بالأساس، فهذا لا ينفي الدور الذي لعبته الكتابات النظرية والنقدية في ترسيخ هذا المذهب وتوجيهه. ويأتي ضمن هذه الكتابات ما يقدمه الدكتور سيد حامد النساج في النص الذي يحمل عنوان "سؤال الذات في الرومانسية العربية". وبمجرد قراءتنا للعنوان والسطر الأول من النص والمصدر نستطيع أن نفترض بأن الأمر يتعلق بطرح نظري يعالج فيه الناقد موضوعا يرتبط بتجربة "سؤال الذات في الشعر العربي الحديث". فما الطريقة التي اعتمدها الكاتب في بناء النص؟ وما الأساليب الموظفة في عرض القضية المطروحة؟ وإلى أي حد استطاع الكاتب أن يقدم تصورا نظريا واضحا حول الاتجاه الرومانسي في الشعر العربي؟

تتلخص القضية التي تناولها الكاتب في اعتبار المدرسة الرومانسية في الأدب العربي تحطيما للقيم والمبادئ الفنية التي قامت عليها المدرسة التقليدية، مع ملاحظته أن المدرسة الرومانسية ركزت على الفرد، وغيرت مفهوم الأدب من كونه تقليدا إلى كونه تعبيرا. وتجسدت هذه القضية في عناصر فرعية يمكن تلخيصها فيما يلي: اعتبار المدرسة الرومانسية ثورة على التقليد في الأدب والفن والعادات والمثل التي تحجرت مع مرور الزمن. ثم تركيز الاتجاه الرومانسي على الفرد باعتباره مصدر الإلهام، وتغير مفهوم الأدب بنقله من التقليد إلى التعبير إضافة إلى تركيز شعراء الاتجاه الذاتي على تناول موضوع الحب لكونه أسمى العواطف الإنسانية. ثم الإشارة إلى بعض المدارس الشعرية الرومانسية العربية والعوامل التي أسهمت في بروزها. علاوة على الفترة التاريخية التي تبنى فيها الشعراء العرب الاتجاه الرومانسي.

وبانتقالنا إلى التحليل المفصل لأهم ما جاء في النص، وهو الصورة الإيجابية التي قدمها الناقد عن المدرسة الرومانسية من خلال حديثه عن جملة من القيم الثائرة على التقاليد السائدة في الفن والمجتمع. والمقارنة بين الحركة الرومانسية والمدرسة الكلاسيكية. فيمكن أن نلاحظ اختلاف المدرسة الرومانسية عن المدرسة التقليدية في النقط التالية:

·        سعي المدرسة الكلاسيكية إلى العناية بالإنسان النموذج، خلافا للحركة الرومانسية التي تحتفل أساسا بالإنسان الفرد.

·        اعتبار الأدب تقليد للحياة وتمثيل لأعمال البشر من منظور الكلاسيكية، بخلاف الرومانسية التي ترى أن الأدب هو تعبير عن النفس.

·        وظيفة الأدب توجيهية وإصلاحية في الشعر الكلاسيكي، بينما في الاتجاه الرومانسي فوظيفة الأدب هي التعبير عن الذات والوجدان.

·        الأدب الرومانسي أدب ذاتي فردي، في حين أن الأدب الكلاسيكي أدب جماعي.

يتضح من خلال ما سبق أن الرومانسية ركزت على "النزعة الذاتية - الآنوية" باعتبارها محورا أساسا .ولإبراز تجليات هذه النزعة الذاتية في الأدب الرومانسي وظف الناقد معجما نقديا يتضمن ألفاظا وعبارات دالة على الذات (جعل الفرد جدير بعناية الأدب، الإنسان الفرد، إبراز فرديته وشخصيته، التعبير عن النفس، العبقرية الفردية، القدرات الفردية، المصلحة الفردية، تحقيق الذات وإثباتها...). وألفاظ وعبارات دالة على الأحاسيس والانفعالات (الحب أعمق العواطف الإنسانية، غريزة التعبير عن النفس، تعبيرا عن النفس، العاطفة، هوى في نفوس الشعراء، الحرية والطلاقة، الإعراب عن نوازعهم وخلجات نفوسهم، شعر دافق العاطفة، عاطفي، وجداني، شعوري، خيالي..).

ومن الناحية المنهجية اتبع الناقد الطريقة الاستنباطية، حيث أشار إلى تصوره العام حول الاتجاه الرومانسي والمتمثل في ثورة الأدب الرومانسي على التقليدية، ثم انتقل إلى الحديث عن مميزات الرومانسية العربية وأهم الموضوعات التي تناولها الأدب الرومانسي، والمدارس الرومانسية في الأدب العربي الحديث.

كما وظف الكاتب عدة أساليب حجاجية للدفاع عن أطروحته التي لخصها في تصور"الاحتفاء بالذات والأنا". ومن هذه الأساليب نذكر "التعريف"، حيث عرف المقصود بالتعبير عند الرومانسيين بقوله " التعبير قد يكون تعبيرا عن حالة من حالات المجتمع..". و"المقارنة"، حيث وجدنا الكاتب قارن بين الحركة الرومانسية والمدرسة التقليدية في تصورهما للأدب ووظيفته. كما استعان أيضا بــ"التفسير" أثناء حديثه عن الموضوعات التي تناولها الرومانسيون. كما حضر أسلوب "الإخبار" الذي وظفه الكاتب لإعطاء معلومات متعلقة بتاريخ تبني الشعر العربي الاتجاه الرومانسي "وقد صادف الاتجاه الرومانسي هوى في نفوس الشعراء العرب أوائل القرن العشرين". ونلاحظ كذلك في النص حضور أسلوب "التمثيل"، حيث قدم الناقد أمثلة للمدارس الرومانسية.أما فيما يخص الأساليب الحجاجية اللغوية، فيمكن أن نشير إلى بعض الروابط التي أفادت الإثبات والتأكيد مثل( لقد، قد، لعل، أن ...)،فضلا عن روابط لغوية منطقية مثل (وبهذا، ومن ثم كان...).

هذا إلى جانب قيام النص على لغة تقريرية مباشرة مختزلة تتمثل في الاستناد إلى اللغة العلمية المنطقية بالشرح والاستدلال والبساطة في التعبير. إضافة إلى الأسلوب الخبري. ولأن موضوع النص موجه إلى الفكر والعقل، اعتمد الكاتب أسلوبا يخاطب العقل أكثر مما يخاطب الشعور.

بناء على ما سبق، لقد استطاع الكاتب – من خلال هذا النص- أن يقدم لنا تصورا نظريا عاما عن الرومانسية العربية ومبادئها، والتي لخصها في سعي الشعراء الرومانسيين إلى الثورة على التقليدية في الأدب والفن، وعلى المضامين التي ابتعثتها قواعد الحياة في مجتمع محافظ، والدعوة إلى الحرية والتعبير عن دواخل النفس، والتجديد في المحتوى والموقف والشكل، مع ملاحظته أن الرومانسية العربية اتسمت بالتركيز على التصوير الحاد لعاطفة الحب، والتعبير عن أحاسيس فردية خالصة. وقد استعان بجملة من الأساليب الحجاجية كالمقارنة والتمثيل والإخبار والتفسير، والاستعانة بروابط حجاجية تفيد الإثبات، فضلا عن روابط لغوية منطقية.

اشترك في آخر تحديثات المقالات عبر البريد الإلكتروني:

3 الردود على "الــقــراءة الـتـحـليلية للنص النظري " سؤال الذات في الرومانسية العربية""

إعلان أسفل عنوان المشاركة

إعلان وسط المشاركات 1

إعلان وسط المشاركات اسفل قليلا 2

إعلان أسفل المشاركات