-->

مهارة كتابة إنشاء أدبي حول نص شعري (الثانية باكالوريا أدب وعلوم إنسانية)


 


 تــقــديــم:

نشير بداية إلى أن أي منهجية لتحليل نص أدبي (شعر، نثر) تبقى قريبة من معنى النص، فهي لا تنفي غيرها، كما أن غيرها لا ينفيها. على كل فإنها تبقى كاشفة عن معنى من معاني النص. قلنا معنى من معاني النص، لأن هذا الأخير يحتمل مجموعة مـــن المعاني الممكنة، و لكل قـــارئ الحق في فهمه بشكــــل من الأشكال. إلا أنه محكوم في الوقت نفسه بخطوط عريضة، و خيوط رفيعة يشترك فيها جميع القراء عليه احترامها.

كما نسجل-ونحن بصدد تقديم منهجية لتحليل نص شعري حديث- أنه ليس هناك فرق كبير بين طرق تحليل نص شعري قديم أو حديث. اللهم في بعض الجزئيات، سيأتي توضيحها-إن شاء الله. أما الخطوات الكبرى فإنها متقاربة إلى حد كبير.

أولا: أنـشـطـة الاكـتـسـاب.

من المعلوم أن النص الشعـــري أو الإبـــداعي عــموما كالجسد الحي، يحمل فكر صاحبه، و يحمل إحساساته وعواطفه، و يعبر عن رؤياه للحياة وفلسفته في الوجود. كما أن كـل نص يختلف عن غيره حتى ولو كانت هذه النصوص للكاتب نفسه. و من ثم يجب على المحلل  كتابة موضوع إنشائي متكامل يراعي خطوات القراءة المنهجية (الملاحظة،الفهم، التحليل، التركيب، التقويم) والمواصفات الخاصة بتصميم موضوع إنشائي (مقدمة، عرض، خاتمة) استنادا إلى توجيهات مساعدة. وذلك  بإتباع الخطوات المنهجية التالية:

الـــمـــقــدمـــة:(عبارة عن تأطير إشكالي يتضمن مهارة التقديم والملاحظة).

وللمقدمة دور التمهيد والتأطير والتوضيح ، كما أنها تتشكل من مراحل:

-         نؤطر فيها النص بوضعه في سياقه التاريخي والأدبي والنقدي، وفي شروط المرحلة الشعرية التي برز فيها، وذلك بغية تحديد هويته الشعرية.

-         الإشارة إلى رواد الاتجاه الشعري الذي ينتمي إليه النص ،ثم التعريف بالشاعر وبدوره في الساحة الأدبية.

-         بناء الفرضية: ويتم بناؤها انطلاقا من مؤشرات :

·        مؤشرات الشكل: بناء النص، وحدة الروي، المصدر، المطلع.

·        مؤشرات المضمون: القراءة الأولية للنص، دلالة العنوان و بعض الأبيات.

-         الطرح الإشكالي: ما يتعلق بالشكل ( هوية النص)، وما يتعلق بالمضمون ( قضية النص). ونقصدبه هدفنا من التحليل أي التساؤل عن حدود تمثل هذا النص لمقومات وخصائص المدرسة التي ينتمي إليها.

الــــعـــــــرض:(ويتضمن مهارة الفهم والتحليل)

ونقصد به المرحلة التي نعرض فيها الأفكار ونقف فيها على الخصائص الشكلية والمضمونية التي تكون كفيلة للتحقق من الفرضية. وذلك بمساءلة مجموعة من المستويات الشكلية والمضمونية التي تجعلنا قادرين على التثبت من صحة الفرضية أو عدمها. وهذه المستويات هي:

1-     المستوى الدلالي: وفيه يتم الوقوف عند أفكار النص ومضامينه ودلالته التي نظم من أجلها وجاء للتعبير عنها. وهو ينقسم إلى مرحلتين كبيرتين:

أ‌-       جرد أفكار النص: وتتم هذه العملية عبر القراءة الدقيقة للنص والتلاوة المتأنية له بغية الوقوف على المهم من الأفكار والرئيسي منها. ثم إعادة تلخيصها بأسلوب رصين وموجز دون الإطناب في الكلام والإهمال للأفكار.

ب‌-   تحديد الحقول الدلالية للمعجم مع إبراز العلاقات الممكنة لمعرفة تيماته المهيمنة، وبالتالي موضوعه الرئيسي. ثم دراسة الغاية من توظيف ذلك داخل النص الشعري.

ولابد من ختم هذا المستوى باستنتاج يبين فيه مدى صحة أو عدم صحة ما افترضناه. وتجدر الإشارة إلى أن المعجم يلعب دورا مهما، فهو يثبت لنا الجانب المضموني كما يثبت لنا الجانب الشكلي أي هوية النص والمدرسة التي ينتمي إليها وطبيعة العبارات الموظفة، أهي قديمة فيكون النص من إحياء النموذج، أم أنها مستوحاة من المشاعر والغابة والعزلة... فتكون من سؤال الذات، أم أنها تعبر عن الغربة والضياع أو علاقة الشاعر بالمدينة أو تدل على النضال والمقاومة ... فتكون من تكسير البنية وتجديد الرؤيا.

2-     المستوى الإيقاعي:ويستهدف هذا المستوى من مستويات التحليل الكشف عن هوية النص بإرجاعه إلى أصله عبر الكشف عن أوزانه الداخلية والخارجية. وهو قسمين:

أ‌-       الإيقاع الخارجي: وله دور استخراج الأوزان السطحية البارزة والتي نظمت عليها القصيدة. ويتكون من :

Ø     البحر: ويكون أحد الأوزان الخليلية، والتي تنقسم بدورها إلى قسمين: أوزان صافية وتتكون من تفعيلة واحدة. وأوزان مركبة وتتكون من تفعيلتين. فإذا جاء شكل النص متناظر الشطرين فهو إما ذو هوية بعثية أم رومانسية. وإذا كان على نظام الأسطر الشعرية كان من شعر تكسير البنية وتجديد الرؤيا.

Ø     القافية: وتحدد عروضيا من آخر ساكن في البت إلى أول ساكن يليه مع حركة الحرف الذي قبله. وتكون إما متكاوسة   (/0////0) أو متراكبة (/0///0) أو متداركة (/0//0) أو متواترة (/0/0) أو مترادفة (/00).

Ø     الروي: وهو حرف صحيح يتكرر في آخر كل بيت وإليه تنسب القصيدة.

ب‌-  الإيقاع الداخلي: ويستهدف الكشف عن هذا المستوى استجلاء البعاد الجمالية داخل النص والمرتكزة على أسس موسيقية سماعية. وذلك عن طريق استنطاق الجرس الموسيقي المنبعث من داخل النص، والذي تشيده التوازنات الصوتية التي تحدثها المحسنات البديعية من تكرار وتوازن وسجع وطباق ... بالإضافة إلى الصيغ الصوتية المتكررة كالقافية والروي.

3-     المستوى البلاغي: ويهدف غلى الكشف عن الأبعاد الجمالية داخل النص، ثم غلى الكشف عن الأغراض والمضامين التي يشيدها النص عبر مساءلة دلالات الصور والأساليب. ثم الكشف عن هوية النص بتحديد هوية استعاراته وأساليبه أهي قديمة أم رومانسية أم معاصرة وحديثة. ويدرس هذا المستوى من خلال ثلاثة مكونات:

أ‌-       الصور الشعرية: ويقسمها البلاغيون إلى ما يدل على المشابهة كالتشبيه والاستعارة، وما يدل على المجاورة كالمجاز والكناية.

ب‌-   الأساليب: وتنقسم إلى أساليب خبرية وأخرى إنشائية. فإذا هيمن الخبر كانت للنص دلالة الوصف، وبالتالي سمة الاستقرار. وإذا هيمن الإنشاء كانت للنص دلالة على الانفعال ونقل الأحاسيس، وبالتالي تصوير المحطات النفسية لذات الشاعرة.

ت‌-   المحسنات البديعية: فبالإضافة إلى دورها الإيقاعي والموسيقي، فهي تلعب دورا جماليا وبلاغيا يصبغ النص بصبغة البديع والجمال. وأهم مظاهر المحسنات البديعية وأنواعها: الطباق – الجناس – السجع – التورية – المقابلة –الاقتباس ...

4-     المستوى التركيبي: وهو مستوى لا يخرج عن أداء المهام والأدوار المنوطة بالمستويات السالفة. ويتكون هذا المستوى من جملة من العناصر أهمها:

أ‌-       الجمل: وتكون إما فعلية أو اسمية. فالأخيرة تدل على الثبات والسكون والاستقرار، وتقوم بدور الوصف. بينما الفعلية تدل على الحركية والدينامية، وتقوم بدور نقل العواطف والانفعالات والأحاسيس.

ب‌-   الأفعال: لأزمنة الأفعال دلالة مهمة. فالفعل منه إما ماض منقطع، أو حاضر مباشر، أو زمن يعكس الاستمرارية أو زمن يستشرف المستقبل عبر إعطاء معلومات أو بعد نظير.. وبذلك تكون لأزمنة الأفعال دلالة مهمة في النص. فإذا كنا بصدد نص تقليدي غرضه الغزل ،وكان يكثر من الأفعال الماضية،وهو من الأزمنة ذات الطبيعة الاستمرارية (ما زلت) فمعنى ذلك انه لا زال يعاني معاناة الحنين للماضي ويتذكره بحرقة.

ت‌-   الضمائر: وهي مكونات أساسية في الجملة إذ لا يمكن تصور لغة بدونها. وقد يفوق وجودها وجود أي عنصر لغوي آخر. وهي متنوعة بين الظاهر والمستتر والمذكر والمؤنث، والمخاطب والغائب، والمفرد والجمع، وتقوم بدور الإحالة، وتلعب دورا دلاليا في إثبات دلالات النص ومعانيه.

5-      المستوى التداولي(فقط للاستئناس): يعتبر هذا المستوى الوسيلة التي ننطلق منها للخروج من بنية النص السطحية والظاهرة للخوض في أعماق النص وأبعاده الباطنية غنه بحث لما بين السطور، وبحث في آفاقه ( إنه تنقيب في ثقافة النص)، وذلك عبر الانطلاق من مؤشرات بنيوية داخل النص تشيد لثقافة حاضرة غائبة، ولا بد من التسلح بثقافة واسعة حتى يتسنى لنا إدراك ما يشير إليه النص. إنه انفتاح على الجانب التاريخي والحضاري والديني والاجتماعي والثقافي ... وخاصة المرحلة الزمنية التي نظم فيها النص.

الــــخــــاتـــمــة:( وتتضمن مهارة التلخيص، والتركيب، والتعليق)

ونعمل فيها على تركيب نتائج التحليل بشكل موجز من حيث المضمون والشكل،كما نبرز مدى تمثيل النص للاتجاه الشعري الذي ينتمي إليه ومن ثم نؤكد صحة  فرضيات القراءة أو خطئها ونصدر حكمنا على النص بناء على ذلك أو نبدي رأينا الشخصي حوله.( التساؤل عن القيمة النقدية لهذا النص الشعري، وعن حدود الإبداع فيه، وعن الجديد الذي قدمه، وعن مواطن الضعف والقصور فيه).

 

 

 

 

ملاحظة:

كل العناصر يجب أن تكون مشفوعة بأمثلة مناسبة من النص.

اشترك في آخر تحديثات المقالات عبر البريد الإلكتروني:

0 الرد على "مهارة كتابة إنشاء أدبي حول نص شعري (الثانية باكالوريا أدب وعلوم إنسانية) "

إرسال تعليق

إعلان أسفل عنوان المشاركة

إعلان وسط المشاركات 1

إعلان وسط المشاركات اسفل قليلا 2

إعلان أسفل المشاركات