-->

القراءة التحليلية للنص النقدي "تحليل نصي لقصيدة "الليل والفرسان – عبد الله شريق (المنهج البنيوي)

 



 

v     الــتأطير الإشكالي للنص: (نؤطير النص ضمن سياق المناهج النقدية الحديثة مع صياغة فرضية قراءته، وطرح الإشكالية)

عرف النقد العربي ظهور العديد من المناهج النقدية التي حاولت مقاربة الظاهرة الأدبية، خارجيا كالمنهج الاجتماعي والمنهج النفسي، أو داخليا كالمنهج البنيوي. والمنهج البنيوي منهج نقدي حديث، يعالج النص الأدبي من الداخل عبر تحليل مستوياته المتنوعة من أجل الكشف عن الجانب الجمالي فيه.ويرجع الفضل في ظهوره إلى التطورات الكبرى التي تحققت في مجال علم اللسانيات، ذلك العلم الذي يهتم بدراسة اللغة في مختلف مكوناتها ومستوياتها. ونظرا لجدة هذا المنهج وفعاليته في التحليل انجذب إليه كثير من النقاد العرب وطبقوه في دراساتهم للنصوص الأدبية، ومن بين هؤلاء النقاد، نجد الناقد المغربي عبد الله شريق في كتابه " في حداثة النص الشعري" الذي اقتطف منه هذا النص الموسوم ب: تحليل نصي لقصيدة "الليل والفرسان". إذن، فبمجرد قراءتنا للعنوان، المستوى الأول للنص، تقودنا إلى أنه ينقسم إلى قسمين يحيلان على حقلين معرفيين: "تحليل نصي" عبارة تحيل على حقل علم اللغة (اللسانيات). و"لقصيدة الليل والفرسان" عبارة تحيل على حقل الأدب. وعليه، يتضح مزج الناقد بين حقلين معرفيين هما : اللسانيات والأدب، الأمر الذي يشير إلى أن النص قام على المنهج البنيوي في تحليل الظاهرة الأدبية.إذن، ما المضامين التي يدور حولها النص؟ وما مظاهر المنهج البنيوي وخصائصه من خلاله؟ وما الوسائل المنهجية والحجاجية واللغوية المعتمدة في معالجة أفكاره؟ وإلى أي حد استطاع الناقد استغلال إمكانيات المنهج البنيوي في دراسته للنص الشعري؟

v   المضمون النقدي:

لقد اتخذ الناقد من قصيدة "الليل والفرسان" للحسين القمري متنا لدراسته. وقد استهل هذه الدراسة بإنجاز قراءة أولى كشفت على مستوى الدلالة المباشرة أن الشاعر حاول أن يقدم من خلالها صورة عن واقع الحال العربي المعاصر بما يتسم من ظلامية واستكانة وغياب لقيم العدل والخير والبطولة. ولكن هذه الصورة لم تتأكد، ولم تأخذ مشروعيتها إلا بعد أن تضافرت كل مستويات النص على دعمها وتأييدها، أي من خلال تفكيك ودراسة مكوناته الإيقاعية والمعجمية والتركيبية والدلالية.

فعلى المستوى الإيقاعي درس الناقد التفعيلة وتنويعاتها المختلفة،كما رصد بعض الترديدات الصوتية، وتكرار بعض التقابلات التركيبية، والإيقاعات الرتيبة والمتكررة التي وفرتها بعض القوافي المتناظرة، ثم تكرار بعض الأصوات المتسمة بالهمس واللين والرخوة.

وعلى المستوى المعجمي قسم الناقد المعجم إلى حقول دلالية، مع إبراز مختلف العلاقات التي تربط بينها. وتوصل إلى سيطرة جو الظلام واللون الأسود على المستوى المعجمي.

وعلى المستوى التركيبي أكد هيمنة الجمل الفعلية والخبرية القصيرة، وكثرة أفعال المضارع الدالة على الحاضر، والمستندة لضمير الغائب، ثم تكرار وترديد بعض صيغ الحال والنعت والتعجب.

وعلى مستوى بنية الصورة رصد الناقد هيمنة الصورة الكلية الكبرى (صورة الليل)، كما رصد بعض الصور البيانية الجزئية، وبعض الصور الرمزية الأخرى، مع إبراز مختلف العلاقات التي تربطها مع الصور الكبرى.

ليخلص في الأخير إلى نتيجة، عبر المستوى التأويلي، هي أن القصيدة تجسد فعلا واقع الحال العربي السلبي في كل مستوياتها.

يبدو من خلال هذه المضامين أن الناقد قد طبق المنهج البنيوي في دراسته للنص الشعري . وقد تم إنجاز هذه الدراسة عبر مرحلتين أساسيتين هما:

1- مرحلة التفكيك: والمقصود بها تفكيك النص إلى تمفصلاته الشكلية. وذلك عبر تشريحه إلى مستوياته لغوية مختلفة. ويمكن تحديد هذه المستويات اللغوية والمصطلحات المرتبطة بها في الجدول التالي:

المستوى الإيقاعي

التشكيلات الإيقاعية، تفعيلة "متفاعل"، الحركات، تفعيلة الكامل، الترديدات الصوتية، التكرار، القوافي المتناظرة، اللين، الرخاوة، الهمس، الحقل الصوتي

المستوى المعجمي

حقول دلالية، الألفاظ، الكلمات، الأوصاف، الحقل الاجتماعي/الوجداني/ الديني، ...

المستوى التركيبي

الجملة الفعلية، الجملة الخبرية القصيرة، أفعال الماضي، الجمل الإنشائية، أفعال المضارع، ضمير الغائب، الجملة الاسمية، صيغ الحال والنعت والتعجب.

مستوى بنية الصورة

الصورة الكلية، صورة الليل، الصور البيانية الجزئية، الصور الرمزية، صورة الفرسان، صورة النهر، الرمز، المشابهة، التجريد، الإبهام، الرموز الدينية والتاريخية والثقافية.

2- مرحلة إعادة التركيب: وفيها يتم الربط بين المستويات السابقة لاستخلاص نتيجة معينة عن طريق التأويل. وفي هذا توصل الناقد إلى أن المستويات كلها قد ساهمت على تجسيد صورة الليل كصورة رمزية: المستوى الإيقاعي ببطئه وقصره وتثاقله، والمستوى المعجمي بحقوله الدينية والتراثية والواقعية وبعلاقاته التوالدية التضادية، والمستوى التركيبي بهيمنة زمن الحاضر وضمير الغائب وجملة الخبر، والمستوى الرمزي بصورة الظلام والحزن والصمت.

v    الـــمـــنـــهـــج الـــنـــقـــــدي:

وخلال المرحلتين السابقتين يعمل الناقد على تشغيل مجموعة من المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بالمنهج البنيوي، إما بشكل صريح أو بشكل ضمني. ويمكن استعراض هذه المفاهيم كالآتي:

- مفهوم البنية: وذلك اعتبارا أن النص الشعري يمثل بنية كبرى، وهذه البنية الكبرى تتكون من بنيات صغرى هي العناصر اللغوية المشكلة لنسيجه، وكل بنية صغرى تتكون من بنيات جزئية: كالتفعيلة والقوافي والأصوات بالنسبة للإيقاع، والحقول الدلالية والألفاظ للمعجم، والجمل الفعلية والجملة الخبرية للتركيب، والتشبيه والاستعارة والرمز للصورة.

- مفهوم النسق أو النظام: ويظهر ذلك من خلال اعتبار النص منظومة أو شبكة من المستويات اللغوية منها ما هو إيقاعي، ومنها ما هو معجمي، ومنها ما هو تركيبي، ومنها ما هو دلالي.

- مفهوم الدال والمدلول: ويبدو ذلك من خلال اعتبار المكونات اللغوية بأبعادها المختلفة دوالا تحيل على مدلولات نتوصل إليها عن طريق التأويل. ومن أمثلة ذلك:

·        دلالة الإيقاع، من خلال تفعيلة الكامل والأصوات المتسمة بالهمس والرخاوة واللين، على موضوع الحزن والمآسي.

·        دلالة المعجم على الظلام واللون الأسود والحزن والإحباط.

·        دلالة الصورة، في ارتباطها بالليل، على القهر والظلم والبؤس والحزن، وفي ارتباطها بالفرسان، على القوة والعزة والبطولة والنصر.

·        دلالة النص ككل على حالة السكون والتردي والهمود في الواقع العربي.

- مفهوم السياق: ويتطلب هذا المفهوم قراءة النص في إطار الرؤيا الشعرية، وهي رؤيا لا توجه قصيدة "الليل والفرسان" فقط، وإنما توجه ديوان "كتاب الليالي" ككل. ومفاد هذه الرؤيا انتقاد الشاعر للحاضر البئيس والمرفوض، وتطلعه إلى المستقبل السعيد والمأمول.

v    طريقة بناء النص، وأساليب الاستدلال:

إن رغبة الناقد في توضيح أفكاره ومحاولة إقناعنا بصحتها، جعلته يسلك استراتيجية منهجية وحجاجية وأسلوبية تقوم على ما يلي:

·        اعتماد القياس الاستنباطي: وذلك بالانطلاق من فرضية عامة مفادها أن الشاعر عبر عن الظلامية التي تسود المجتمع العربي المعاصر، ثم تتبع حضور هذه الظلامية (الليل) وهيمنتها في مختلف مستويات القصيدة (الإيقاع، المعجم، التركيب، الصورة)، ليؤكد في الأخير صحة الفرضية التي انطلق منها في شكل نتيجة نهائية وهي: (مفتاح القصيدة والديوان عموما هو كلمة"الليل").

·        الميل إلى الاستشهاد: وفيه استدل الناقد على صحة استنتاجه بما يلي: " يقول أحد المحدثين فيما يتعلق بالصفات الإيقاعية المرتبطة بتفعيلة بحر الكامل". وكذلك استشهاده ببعض المقاطع والصور والألفاظ من قصيدة "الليل والفرسان" للحسين القمري.

·        التضاد: ويبدو ذلك في الكشف عن العلاقات الضدية بين الثنائيات التالية: (يقلل* يكثر، جملة خبرية* جملة إنشائية، أفعال الماضي* أفعال المضارع، حضور الليل* غياب الفرسان..).

·        إدماج الجزء في الكل: وفيه أشار الناقد إلى أن ما ينطبق على الكل (الصورة الكبرى) ينطبق على الجزء.

وفضلا عن الوسائل السابقة تعزز الجانب الحجاجي في النص بتوظيف الناقد لغة تقريرية مباشرة بعيدة عن الإيحاء، وخالية من الكلمات الصعبة، ومن المحسنات البديعية، وهذا ينسجم مع طبيعة النص الذي يتسم بالسمة العلمية والموضوعية في معالجة الأفكار، كما ينسجم مع مقصدية الناقد الذي يهدف إلى تبسيط الفكرة وتوضيحها للمتلقي حتى يتسنى له فهمها واستعابها والاقتناع بصحتها.

وبالإضافة إلى الطابع التقريري تتميز لغة النص كذلك بالاتساق، ويمكن تحديد مظاهر هذا الاتساق من خلال مجموعة من الوسائل كالإحالة التي تتم تارة بواسطة الضمير(دعمها، تأييدها..)، وتارة بواسطة اسم الإشارة (لهذه القصيدة، تلك الرؤيا...)، وتارة بالاسم الموصول (الكامل الذي وصف من طرف بعض المحدثين، النتيجة التي نصل إليها..). والوصل الذي يكون تارة بواسطة حروف العطف، وتارة بواسطة حروف أخرى مثل: (لكن، من خلال، إلا إذا، غير أن، لذلك، على أنه، وهكذا، وبهذا...). والتكرار الذي تتردد فيه العبارات والألفاظ التالية: (المستوى الإيقاعي، المستوى المعجمي، المستوى التركيبي، الليل والفرسان...).

وبالموازاة مع الاتساق، يتميز النص، كذلك، بظاهرة الانسجام. ذلك أن الناقد يفترض في القارئ توفره على إمكانيات إنجاز قراءة منسجمة اعتمادا على ما لديه من معرفة خلفية، فهو يفترض مثلا معرفته بالمناهج النقدية الحديثة وبالمنهج البنيوي تحديدا،كما يفترض معرفته بالشعر والشعر المغربي المعاصر خصوصا،بالإضافة إلى ما يرتبط بهذين المجالين من مصطلحات ومفاهيم كالبنية، والنظام، والدال، والمدلول، والسياق، والإيقاع، والمعجم، والصورة... وبهذه المعرفة الخلفية يستطيع  القارئ فهم النص وتأويله وتبسيطه عن طريق ملء الفراغات وردم الفجوات وتقدير المسكوت عنه.

v     الـــتركـــيب والــتـــقــويم(تجميع معطيات ونتائج التحليل، مع إبداء الرأي الشخصي، وبيان مدي تمثيل النص لمقومات المنهج الموظف).

من خلال ما سبق، يتأكد أن الناقد اعتمد مقاربة علمية موضوعية في دراسة النص الشعري، فهو لم يكتف بشرح مضامينه، ولم يقدم بصدده انطباعات شخصية أو أحكام جاهزة. وإنما استعمل أدوات إجرائية  في التحليل، ومرجعه في ذلك الدراسات اللسانية التي تشكل أساس المنهج البنيوي. أما بخصوص تطبيق هذا المنهج، فقد تطلب إتباع مرحلتين متضافرتين هما: مرحلة التفكيك التي تم فيها تشريح النص إلى مستويات لغوية مختلفة، ثم إعادة التركيب التي تم فيها الربط بين المستويات السابقة لاستخلاص نتيجة معينة عن طريق التأويل. وخلال المرحلتين السابقتين عمل الناقد على تفعيل المنهج البنيوي باستثمار مجموعة من المصطلحات التي تشكل جهازه المفاهيمي، كمفهوم البنية، ومفهوم النسق، ومفهوم الدال والمدلول، ومفهوم السياق. ولتوضيح أفكاره وإقناع القارئ بصحتها سلك الناقد استراتيجية منهجية وحجاجية وأسلوبية تقوم على مجموعة من الوسائل ك: القياس الاستنباطي، والشاهد، التضاد، وإدماج الجزء في الكل، بالإضافة إلى اللغة التقريرية المباشرة التي تتميز بمجموعة من وسائل الاتساق.كما أنه لتحقيق قراءة منسجمة راهن الناقد على الخلفية المعرفية للمتلقي الذي يفترض إنه يعتمد مجموعة من المبادئ والإجراءات لفهم النص وتأويله .

لقد أثب الناقد بالفعل أن المقاربة البنيوية تركز على جوهر الإبداع الأدبي وهو اللغة، كما أثبت أن مراحل التحليل تؤدي إلى نتائج موضوعية تتضافر جميع المستويات اللغوية في تأكيدها. إلا أنه رغم ذلك يمكن القول إن المنهج البنيوي ليس وحده كافيا للإحاطة بالظاهرة الأدبية من جميع جوانبها،إذ إن هذه الظاهرة هي شبكة متداخلة من العوامل التاريخية والاجتماعية والنفسية، وليست نسيجا لغويا فقط، ولهذا يستحسن أن تنفتح البنيوية على المناهج النقدية الأخرى سعيا إلى تحقيق دراسة تحيط، ما أمكن، بشتى جوانب العمل الأدبي.

 

اشترك في آخر تحديثات المقالات عبر البريد الإلكتروني:

1 رد على "القراءة التحليلية للنص النقدي "تحليل نصي لقصيدة "الليل والفرسان – عبد الله شريق (المنهج البنيوي)"

  1. من فضلك أريد نسخة pdf لكتاب عبد الله شريق في حداثة النص الشعري أحتاجه في رسالة الدكتوراه مشكور

    ردحذف

إعلان أسفل عنوان المشاركة

إعلان وسط المشاركات 1

إعلان وسط المشاركات اسفل قليلا 2

إعلان أسفل المشاركات