-->

كيف تختار التوجيه المناسب في الجامعة: توجيهات ونصائح

 



التسجيل بالكليات امر يهم فئة عريضة من الحاصلين على الباك، سواء الدين لهم نقط مرتفعة ولم يتفوقوا في المباريات ، او الدين حصلوا على الباك ولم تحالفهم النتائج من اجل تجاوز عتبات الانتقاء المرتفعة ، وكدلك هناك فئة تغير الوجهة للكلية بعد الانسحاب من مدرسة أخرى لسبب من الأسباب .

لهذا يجب أن نضع نصب أعيننا بعض الأمور و هي :

– عدم إغفال التوجه الدراسي السابق (أي نوعية شهادة الباكالوريا، أدبية أم علمية أم غير ذلك).
– عدم إغفال النقطة المحرزة الخاصة بشهادة الباكالوريا.
– عدم إغفال المعارف السابقة و المهارات الفكرية المتحصل عليها خارج النظام التعليمي.
– عدم إغفال واقع سوق العمل الحالي و متطلباته.

لماذا جئت على ذكر هاته الأمور قبل الشروع في تحديد آليات الخروج من الحيرة الملازمة لمن ينوون التسجيل بالكلية؟ لهذا الأمرر طبعا أهمية كبيرة و إلا ما كنت جئت على ذكره، فمستقبلك الدراسي لن تبنيه –عزيزي الطالب- إلى على ماضيك الدراسي، و الاثنان هما أشبه بخطي سكة القطار المتوازيان، لن يتيسر لقطار حياتك التقدم إلى من خلال ذينك الخطين، و عليه يتطلب الأمر منك أن لا تنسى معارفك السابقة من أجل تحديد المسلك المرغوب في الكلية المناسبة، هذا من جهة، أما من جهة ثانية فأنت لا تريد أن تهدم جهودك السابقة في الدراسة من خلال اختيار مسلك جامعي لا يفي بطموحك و لا يتناسب و معارفك السالفة، و لا طالما سمعنا –و لازلنا- عن طلبة ضيعوا سنة كاملة من أعمارهم بسبب اختيار مسلك غير مناسب لهم، بل منهم من اختار عدم الرجوع للكلية ظنا أنه بهذا ينتقم منها، و هذا فعله كثيرون، أما من جهة ثالثة، فموضوع سوق العمل و متطلباته يفرض نفسه فرضا على الجميع دون استثناء، فأنت لا تريد أن تتخصص في شعبة و تنهي ثلاث سنوات –كأقل تقدير- من أجل أن تطبع سيرتك الذاتية CV و تضعها أمام مشغل ليقول لك: “آسف! لا نقبل إجازات خاصة بهذه الشعبة!” . صدقني هذا موجود و هذا حقيقي و ستعرفه في حينه إن شاء الله.
لهذه الأسباب –و ربما يوجد غيرها أيضا- ارتأيت أن اذكر تلك الأمور قبل أن أخوض في تحديد ما يجب عليك فعله حتى تبعد نفسك عن الوقوع في الحيرة و التخبط قبل اختيار المسلك المناسب.

هذه الآن بعض الأمور التي يجب عليك الانتباه لها قبل أن تذهب للكلية، وسوف أفصل القول فيها بعد الانتهاء من ذكرها، فتجمَّل بالصبر:

– لا تسأل الطلبة عن المسالك و آفاقها و الصعوبات المنطوية على اختيارها.
– دع جانبا ما سمعته و ما تسمعه عن الكلية و عن المسالك.
– لا تتطلع على كتب مسلك معين قد يمدك بها طالب ما.
– لا تلجأ للشبكة العنكبوتية من أجل معرفة أفضل المسالك.
– لا تحتقر أي مسلك.
– ابتعد عن المقارنات.
– لا تعتد بمن تعرفه ممن سلك مسلكا و لم يفلح فيه.
– لا تغتر بمن سلك مسلكا و أفلح فيه.
– لا تقلد أصدقاءك و لا تعتد باختياراتهم.
– لا تكن ماديا بحتا بحيث تختار الكلية و في نيتك فقط تحصيل عمل بعدها.
– فكر في ما تحبه و فيما تبرع فيه و فيما تود تعلمه في نفس الآن.
– و أخيرا، فكر في وضعك المادي الحالي.


و الآن آتي لتفصيل كل النقط التي ذكرت و إقصاء ما استشكل في فهم المقصود منها.

لا تسأل الطلبة عن المسالك و آفاقها و الصعوبات المنطوية على اختيارها.

يقع الكثيرون في هذا المأزق، و هو مأزق خطير لا يعي خطورته إلا القلة القليلة، فأين تكمن هذه الخطورة؟
لنفترض جدلا أنك تريد الاستفسار عن آفاق شعبة معينة (مسلك معين) و عن الصعوبات التي قد تواجهها أثناء الدراسة، اعلم أنك ستجد نفسك أمام أحد ثلاثة من الطلبة، فإما: (أ) طالب فاشل، أو (ب) طالب جاهل، أو (ج) طالب مثابر.
و أنت أمام كل واحد من هؤلاء الثلاثة ستجد نفسك في حيرة من أمرك، كيف ذلك؟ سأشرح لك.
لنفترض أنك سألت الطالب الفاشل، و طبعا أنت لا تعلم أنه فاشل، فأكيد أنه سيتحدث انطلاقا من تجربته الشخصية في الكلية و مع المسلك الذي سلكه، فماذا تظنه سيقول لك؟ أكيد أنك تعرف الجواب مسبقا، فمثل ذاك الطالب لا يرى ابعد من أنفه و أنت طبعا لا تريد أن تكون مثله، بغض النظر عما جعله فاشلا، فربما يكون مرد ذلك أسبابا مالية أو أزمات يمر بها في حياته حالت دون أن يركز على دراسته و أن يجد في تحصيل النتائج الجيدة، أو أي سبب آخر، لا يهمنا السبب بقدر ما يهمنا تجربته، و أنت لا ريب أنك توافقني أن آخر شخص قد تود اللجوء إليه طلبا للاستفسار و الفهم هو طالب فاشل.
لنرى الآن المثال الثاني، و هو الطالب الجاهل، و هذا –عزيزي- لا يقل سوءا عن سابقه، و هذا الطالب قد يمثل أحد أسوء أشكال الجهل و هو الجهل المركب، فقد يحدثك بمنطق أنه يعرف و يعلم كل شيء، في حين أنه يجهل كل شيء، و من هنا تأتي الخطورة، لكن لنفترض ما هو أقل سوءا، و هو أنه جاهل فقط لكنه لا يتردد في أن يسدي لك النصح و يحدثك بشأن المسالك، أو أقل شيء المسلك الذي اختاره هو، فماذا تظنه سيقول لك؟ مع العلم أنه جاهل؟ أنا أعلم يقينا أنه لن يكون ذا نفع البتة، و أن أقصى ما ستتحصل عليه منه هو كلام متضارب لا خطام له و لا سنام، قد يجعلك في حيرة أشد مما كنت عليه من قبل.
و آتي الآن للمثال الثالث و هو الطالب المثابر، فماذا ستصنع لو أني قلت لك أن هذا الثالث و الأخير قد يكون أسوء من ذينك الاثنين السابقين؟! طبعا قد تنكر علي هذا القول، لكن هذا هو الواقع، و سواء اتفقت معي أو اختلفت فلا سبيل لمعرفة صدق هذا الادعاء إلا التجربة، غير أني هنا سأحتج بما خبرته من زملائي الطلبة و هم كثر.
إني لا أعتقد أن الطالب المجد المثابر الذي يتحصل على أعلى المعدلات و الذي يبرع في الفهم و الحفظ و التحليل و غيرها من المهارات، هو أقدر على إفادتك بخصوص المسلك الجيد و مكامن الصعوبة فيه و غير ذلك من المعلومات التي تريد التحصل عليها لتحدد المسلك المناسب لك، فلا تنسى أنك أولا و آخرا تحدث طالبا غير عادي، بمعنى أنه سيحدثك انطلاقا من تجربته و قناعاته و مهاراته و معارفه هو، و قد يفيدك نوعا ما في مسألة آفاق المسلك الذي اختاره، فهو لا شك لم يختره ارتجالا و لا صدفة و لا من باب العشوائية، و إنما عن قناعة و معرفة، لكن لننسى مسألة آفاق المسلك تلك فقد أتفق معك أن ذلك الطالب قد يكون ذا نفع في هذا الجانب، لكن الذي ستستفسر عنه هو الصعوبات، و نحن جميعا –سواء بحكم الطبع أو العادة- نسأل دائما عن المساوئ و الصعوبات لا المحاسن و ما هو سهل أو يسير، فماذا سيقوله لك ذلك الطالب المثابر؟ صدقني حين أقول لك أن احتمالات عدم اختيارك لمسلك ذلك الطالب ستكون أكبر بكثير من احتمالات اختيارك له، لا لشيء سوى أنك ستسمع ما لا تريد سماعه، لا سيما إن كان ذلك الطالب ممن يحسنون تعسير الأمور و جعلها و كأنها مستحيلات فوق مستحيلات، فلو سألت مثلا طالب مسلك الدراسات القانونية المجد و المميز فربما قد تجد نفسك حقا مضطرا للطمه على وجهه دفعا لإسكاته، فهو لن يجد حلاوة و لا طلاوة أشد من الحديث عن القانون لمن لا يعرف شيئا عنه، و لن تكون بالنسبة له إلا مثل النملة أمام الفيل. فما العمل إذن؟ أحسنت، الجواب هو عدم سؤالك للطلبة مطلقا، و اعلم أنه يوجد أساتذة و موجهون سيعطونك من أوقاتهم الشيء الكثير ليدفعوا عنكَ شُقَّةَ السؤال وتكلف المسألة كلها، و هؤلاء مدربون جيدا على الإنصات و استخلاص ما من شأنه وضعك على الطريق الصحيح، و تذليل العقبات لك حتى يتيسر لك اختيار ما يناسبك، و كما أنك في مسائل الدين تلتزم التوجيه الإلهي القائل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل : 43]، فكذلك لكل مسألة من مسائل الدنيا أهلها و خاصتهم الذين لهم من العلم و المعرفة ما يكفي لبث المشكل من الأمور لديهم حتى تستبين لك الطريق التي تسلك.

دع جانبا ما سمعته و ما تسمعه عن الكلية و عن المسالك.

يجب أن تعلم أن أكثر الأشياء التي تؤثر في قراراتنا هي ما نسمعه لا ما نعرفه، و لو فعلنا العكس لكنا في مأمن من تحمل تبعات قراراتنا السيئة، و من هنا وجب الانتباه لخطورة هذا الأمر، فكم من الأمور التي ستسمعها عن الكلية و عن إدارتها و نظامها و غير ذلك مما سيجعلك في اضطراب أشد سوءا من حيرتك في اختيار المسلك، و من هنا وجب علي أن أنبهك أن لا تلتفت لما تسمعه، أيا كان قائله، و كم من قائل هو الآخر مجرد سامع، و لن أطيل في هذه النقطة لأن التوسع فيها سيرهقك و لا طائل من تحته، فقط اعلم أن ليس كل ما اشتهر على الألسن هو صحيح مطلقا.

لا تتطلع على كتب مسلك معين قد يمدك بها طالب ما.

كثير منا يفعل هذا، فما وجه الخطورة فيه؟ إن الخطورة هنا تكمن في أنك تريد معرفة ما لم تتدرج قط في معرفته، بل و تريد تحصيل أكثره دفعة واحدة، و هذا لن يتأتى بالسهولة الممكنة. إن كل مسلك ينطوي على صعوبات معينة، إذ لا يخلو مسلك منها من الصعوبات قط، لكن تلك الصعوبات أخذت تتلاشى بعد كل فصل من السنة الدراسية، و من هنا تأتي أهمية التدرج، فهذا التدرج يأتي بأشكال مختلفة و على مراحل زمنية مستمرة، فمثلا لو أني الآن حدثتك عن الإثراء بلا سبب كمصدر من مصادر الالتزامات في القانون المغربي ستجد نفسك في دوامة و حيرة لا تنتهي، فهل هذا معناه أنك غير مؤهل لدراسة القانون؟! طبعا كلا، لكن معرفة الجواب على هذا السؤال لم تتأتَّى لطالب الدراسات القانونية دفعة واحدة دون مقدمات و مداخل تهيئه لمعرفة تفاصيل ظهير الالتزامات و العقود المغربي، و إن كانت هذه الوحدة Module تدرس في الدورة الربيعية من السنة الأولى فهذا معناه أن ذلك الطالب قد نهل من المعرفة أثناء دراسته في الدورة الخريفية من نفس السنة ما جعل معه دراسة تلك الوحدة يحمل من اليسر الشيء الكثير، لاسيما بالنسبة للطالب المجتهد في تحضير واجباته و مراجعة الدروس من حين لآخر. و هكذا ينطبق الأمر على جميع الوحدات من كل سنة دراسية، فالأولى تمهد للثانية و هكذا دواليك. فلا تظن أن الدراسة في مسلك ما هي دراسة علوم الذرة النووية، فكل شيء يمكن ضبطه و إتقانه ما توفرت الدواعي لذلك، بل حتى علوم الذرة لن تكون صعبة متى ما توفرت نفس الدواعي.

لا تلجأ للشبكة العنكبوتية من أجل معرفة أفضل المسالك.

كل الطرق تؤدي إلى مكة، و لا يُستغرب أن تكون الشبكة العنكبوتية هي الأخرى طريقا من طرق تحصيل الإرشاد و إسداء النصح، و لا يُستغرب كذلك أن تكون هذه الطريق هي أقصر تلك الطرق جميعا! لكن ليس كل طريق قصير هو الطريق الأسلم، و من هنا نبهت لخطورة هذا الأمر، فنحن نتعامل مع أشخاص افتراضيين لا نعرف عنهم شيئا، فإن كنا نجد صعوبات في معرفة المسلك الأسلم لنا مع من نعرف فمن باب أولى أو نجد صعوبات أكثر مع من لا نعرف.
تجد و أنت تتصفح المقالات المنشورة على المنتديات و المدونات و المواقع مئات الآراء، ونادرا ما تجد الجيد منها، فأكثر تلك البضاعة المزجاة فاسد، و لست أنت من يعرف الغث من السمين منها، و على هذا الأساس أدرجت التنبيه على خطورة الشبكة العنكبوتية ضمن القائمة.
سأوضح مكمن الخطورة هنا، لكن يجب أن نضع في الحسبان أن مسألة معرفة المسلك المناسب متعلقة أساسا بطرفين، و هما أنتَ أو أنتِ و الطرف الثاني المتمثل في الموجه، فبناء على ما يستخلصه منك الموجه من معلومات عنك و عن معارفك و اهتماماتك و طموحاتك يستطيع أن يحدد لك ما يجب عليك فعله –أي أي المسالك أنسب لك-. إذن، الأمر أشبه بالمعادلة الرياضية، فالشرط (if) يحقق النتيجة (then).
فكِّر في الأمر على هذا النحو، حصولك على الجواب رهين بالمعلومات التي تدلي بها وبصحتها أساسا، فهل هذا الأمر متحقق من خلال الشبكة العنكبوتية؟! طبعا الجواب بالنفي. فأنت لا تتفاعل مع صاحب المقال، و هو الآخر لا يعرف أصلا بوجودك إلا افتراضا، فما الفائدة والجدوى المتحصَّلة من مقال لا تعرف صاحبه و لا يعرفك هو الآخر؟ لا شيء.
لكن بعد هذا الكلام، نجد أنفسنا أمام إشكالين يسهل حلهما، الأول أنك قد تجادلني بأن نفس الأمر ينطبق على مقالي هذا الذي تقرأه، و طبعا استشكالك منطقي لكنه غير سليم، إذ أنه قياس مع الفارق، فما هو هذا الفارق؟ الأمر بسيط، المقالات التي أتحدث عنها تغفل عن الجانب التقعيدي للمسألة، أي ما هو متعلق بالقواعد التأصيلية، إذ أنها لا تتناول مسألة اختيار المسلك المناسب بشكل أكاديمي علمي، على عكس مقالي هذا الذي تقرأه، فهو لا يسمي لك مسلكا دون غيره ليوضح لك صعوباته و آفاقه و مكامن اليسر فيه – على الأقل في هذا الجزء الأول من المقال- لكن مقالي هذا هو يأصِّل بعض القواعد المهمة التي من خلالها تستطيع أيا كنت أن تحدد الجهة السليمة التي تلجأ لها لاستخلاص التوجيه الجيد، و هذا هو الفارق بين مقالي و بين المقالات المنثورة هنا و هناك على الشبكة العنكبوتية، فلا مجال إذن للمقارنة لوجود الفارق.
أما ثاني إشكال، فهو متعلق بما قد تجادل به من وجود مواقع التواصل الاجتماعي كموقع الفيسبوك مثلا، و هذا صحيح، فمواقع التواصل الاجتماعي تجعل العالم الافتراضي أقرب للواقع والحقيقة منه للخيال، و هذا صحيح لا شك فيه. لكن هذا لا يعني أنه يمكننا اللجوء لها و أنها قد تفي بالغرض، فأن لا زلت في حاجة أن تقنع الطرف الثاني أن جاد في الأمر و أنك لا تسأل لمجرد السؤال، و هذا ينتفي في العلاقة التي ستجمعك بالموجه مثلا، فهذا الأخير يعي أنك لست أمامه للهو، وإنما أنت مهتم بالموضوع على نفس الدرجة التي تدفعه هو الآخر أن يهتم بك وبقلقك وحيرتك، و من هنا يأتي الجد في التعامل مع المعلومات التي تدلي بها له، والتي من شأنها مساعدته هو الآخر في تحديد ما يناسبك.
فإن حاججتَ بشأن أن الطرف الثاني على موقع التواصل الاجتماعي هو الآخر قد يبدي اهتماما بما تدلي له من معلوماته فيشاطركَ نفس الجدية، سأقول أنك لن تستطيع معرفة درجة العلم والتخصص لدى ذلك الطرف اللذان من شأنهما أن يجعلانك تثق في إرشاده و توجيهه و ما يسديه إليك من نصائح، فأنت في جميع الأحوال لا تعرف مع من تتحدث، و حتى إن عرفت فأنت لن تعرف درجة علمه وجدارتِه أن يسدي لك بالنصح، و من هنا أدرجت هذا الأمر ضمن قائمة المحظورات أعلاه.


لا تحتقر أي مسلك.

نسمع كثيرا من الناس من يحقر أو يهون من شأن مسلك معين دون المسالك الأخرى، و هذا أمر ينطوي على خطأ و سوء تقدير كبيرين، فالتجربة أكدت أنه لا يوجد مسلك أيسر من الآخر، فلكل مسلك صعوباته و تعقيداته التي لا يعرفها إلا من وقف على اختياره له، و أكثر المسالك عرضة للتهوين و التحقير هو مسلك الدراسات العربية، و الحقيقة عكس ذلك تماما.
و لم يسلم كذلك مسلك الدراسات القانونية من بعض التهوين، و اعتماد هذا المسلك على مهارة الحفظ فقط، و هذا لا يصح بأي شكل من الأشكال، و قد سبق أن كتبت بهذا الصدد لكن لم أطل فيه النَّفَس، و ربما أكتب مقالا قريبا لتوضيح هذا الأمر، و دفع ذلك الوهم.
يتعلق بمسألة عدم تحقير أي مسلك جزئية مهمة متعلقة بأهمية المسلك، و هذه فقط هي التي لها من الأهمية الشيء الكثير، و لا شك أن المسالك تتباين من حيث أهميتها، و لا أقصد بكلمة “أهمية” هنا “القيمة”، فالمسالك كلها عمثل علوما إنسانية تبنى عليها الحضارة و تحقق الدول بالمتخصصين فيها التنمية و التقدم، فلا علاقة للقيمة بالأهمية، و لا يجب الخلط بينهما.
أما الأهمية التي أعنيها هنا فهي باعتبار مآلات آفاق مسلك دون غيره، و طبعا أشير هنا إلى سوق العمل، و هنا تبرز الجزئية التي ذكرت للتو أعلاه، و هي المتعلقة بتحقير مسلك الدراسات العربية دون غيره، و نحن حتى إن أقررنا أن سوق العمل بالنسبة لمسلك الدراسات العربية يضيق كثيرا عن غيره من المسالك، فلا سبيل أن يُحْتَجَّ علينا بوجوب تحقير هذا المسلك، فالدراسات العربية هي عمود و أصل كل المسالك، و على رأسها الدراسات القانونية، و لنا أن نتساءل بأي لغة نكتب الآن؟ أليست اللغة العربية؟ و أنا هنا لن أطيل في الدفاع عن الدراسات العربية لأن المقام يضيق بهذا، و لا أريد أن يطول الحديث عن مسلك دون الأخرى، و هذا ربما أتطرق له في الجزء الثاني من هذا المقال إن شاء الله.
و عليه، فالنصح هنا واجب أن لا يحقر الواحد أي مسلك، و أن لا يهونه و أن لا يظن سهولته و لا يسر وحداته، فكل المسالك تحمل من الإشكالات الشيء الكثير.


ابتعد عن المقارنات.

المقارنات من شأنها أن تكون قاتلة، و المقارنات التي أقصد هنا هي مقارنة نفسك بغيرك من الأشخاص، فكثير منا تجده يقول جملة مشهورة جدا و هي: “شْحَالْ مَنْ وَاحَدْ عَنْدُو اللِيصُونْصْ وْ مَا دَارْ وَالُو”! أو:”فُلاَنْ قَرَّايْ مَزْيَانْ وْ شَدّْ لِيصُونْصْ وْ مَادَارْ وَالُو!”.
حين أقول أن هاته المقارنات قاتلة فأنا أعني ذلك تمام، و هي قاتلة فعلا، و الذي يقول بهذا الكلام هو إنسان ينقصه الفهم مع كامل الأسف، فالعقل لا يستسيغ عقد مثل هاته المقارنات و لا مثل هاته الأمثلة مطلقا نظرا لتمايز الناس في عقولهم و تباين درجات تفكيرهم بل و حتى اختلاف طموحاتهم و متطلباتهم، فكيف إذن يمكن أن يُتخَّذ من حصَّلَ الإجازة و لم يتوفق في إيجاد عمل أنه معيار لعدم الدراسة و مثال يُضرَب لتحقير شأن الجامعات بالمغرب و سوق العمل فيه؟
أليسَ من الممكن أن من تحصَّلَ على الإجازة الجامعية و لم يتوفق في إيجاد عمل هو ممن لديه متطلبات أكبر من تلك التي يمكن أن يوفرها له سوق العمل بالمغرب؟ أليسَ من الممكن أنه مثلا قد يكون من أولئك الذين يفكرون في تحصيل وظيفة تابعة للقطاع العمومي و لا يهتم بالقطاع الخاص، و لهذا تضيق احتمالات حصوله على عمل نظرا لقناعته تلك؟ أليس من الممكن أنه من بني أولئك الذين يودون استكمال دراستهم بالخارج و لهذا لا يفكر في الارتباط بوظيفة تمنعه من تحقيق تلك الرغبة؟ أليس من الممكن أن يكون بعيدا عن هذا و ذاك شخصا متواكلا لا يأخذ بالأسباب وينتظر أن يتحصل على عمل دون أن يبحث عنه؟ إن أخذت هنا بتعليل عدم تحصيل ذلك الشخص على عمل فلن أنتهي، و عليه فلا سبيل لأخذ مثل هؤلاء الأشخاص مثال و عقد المقارنات عليه، فهذا دليل على سوء الرأي و عدم رجحانه.
و حتى إن افترضنا جدلا أن ذلك الشخص ليس بالمتواكل، و أنه يأخذ بكل الأسباب عسى أن يتحصل على عمل، لكنه لم يتوفق، فلا يُسَوِّغُ لنا هذا كله أن نعقد المقارنات و نطعن في الدراسة الجامعية و قيمة شهادتها لمجرد أن ذلك الشخص لم يوفق، فالأرزاق بيد الله وحده، و ربما قد يكون رزقه في غير شهادته الجامعية تلك، و لكم عرفنا من الناس ممن لم يكمل تعليمه الابتدائي حتى وتحصل على عمل قار و له من أسباب العيش الكريم ما له، فهل نأخذ بهذا مثلا على عدم استكمال التعليم مطلقا؟ طبعا لا.
غالبا ما يردد المغاربة هاته العبارة: “الأرْزَاقْ بِيَدِ اللهْ”، لكن القليلَ منهم من يقف على معانيها ويستجلي حقيقتها، فلماذا لا يعتد بها من يقول بها؟ أم أن الأمر متعلق بالمناسبة و الدواعي؟ إن الأرزاق فعلا بيد الله، و لا سبيل لمقارنة نفسك بغيرك من خلق الله، يقول الله تعالى {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات : 22]، و يقول: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود : 6].


لا تعتد بمن تعرفه ممن سلك مسلكا و لم يفلح فيه.

قد تبدو هذه النقطة وثيقة الصلة بالتي سبقتها أعلاه، لكنها مختلفة نوعا ما، و وجه الاختلاف فيها أنه يوجد من الناس من يسمي لك أحدهم و يقول لك أنه درس و لم يفلح، على الرغم من أنه معروف بالجدية و المثابرة.
بعض ما قلته في النقطة السادسة ينطبق على هذه النقطة، غير أن الأمر هنا متعلق بالطالب الذي لم يفلح في المسلك الذي اختاره على الرغم من كونه طالبا معروف عنه المثابرة و الجدية، ومن هنا يأتي اختلاف هذه النقطة مع النقطة السادسة التي سبقتها.
و يبقى السؤال: “ما الذي يمنع أن يكون ذلك الطالب قد تعرض لما حال دونه و توفقه في ذلك المسلك؟”. فربما لا تعرف ذلك الحائل بقدر معرفتك أنه لم يتوفق في المسلك فقط. و ربما لم يتوفق ذلك الطالب في المسلك الذي اختاره على الرغم مما عُرِفَ عنه من المثابرة و الجدية نظرا لسوء اختياره، فلم تكن مثله سنته الدراسية الثانية أكثر توفقا مما كانت عليه الأولى، أو ربما كان الفصل الأول أيسر عنده من الفصل الثاني، و الأسباب كثيرة لا أريد تفصيلها هنا.
العقول متباينة و متمايزة كما سبق و قررنا، فلنأخذ ذلك بعين الاعتبار.

لا تغتر بمن سلك مسلكا و أفلح فيه.

هذه النقطة تعاكس سابقتها، فمن الناس من يقول لك: “أنا حصَّلتُ معدلا في الباكالوريا أكبر بكثير من فلان الذي كان يسبقني بعام، و هاهو ذا الآن يحَصِّلَ معدلات عالية في مسلك كذا و كذا، فلا ريب أني سأتفوق عليه إن سلكت نفس المسلك”.
هذا الأمر بقدر ما ينطوي على مغالطة بقدر ما هو خطير، و المغالطة التي ينطوي عليها هي المقارنة الفاسدة، فربما أنك حصَّلتَ معدلاًّ مرتفعا في الباكالوريا بسبب مواد دراسية هو لا يتقنها، وهي عينها التي جعلته يختار مسلكا لا تكون متضمنة فيه بقدر كبير، أو لا يكون المسلك معتمدا عليه، فكيف لك أن تختار نفس المسلك الذي اختاره لمجرد أنك تفوقتَ عليه في المعدل؟
و الخطورة هنا، أنك قد تختار مسلكا يكون ضعفك في بعض وحداته قاتلا، على عكس قوة ذلك الشخص الذي قد تكون قوته في تلك الوحدات كبيرة، فكيف تختار مسلكا لمجرد أن فلان أفلح فيه و أنت متفوق عليه في المعدل مثلا؟
ضربت فقط مثالا و إلا فيمكن ضرب أمثلة أخرى، لكن المقام يضيق بذكرها جميعا، فأكتفي بذاك.


لا تقلد أصدقاءك و لا تعتد باختياراتهم.

يقع في هذا الأمر كثيرون، فلمجرد أن صديقا اختار مسلكا معينا و أنت تجد أن صديقك اعتاد على التعاون معك في الحفظ و المراجعة، تقوم باختيار نفس المسلك الذي يختاره، و هذا خطأ جسيم لا يعي تبعاته إلا من جربه.
الأمر لا علاقة له بالصداقة و لا الزمالة، الأمر أخطر من ذلك، فلا تعتقد أن مجرد الصداقة كفيلة بأن تحدد خيارات مستقبلك الدراسي.

لا تكن ماديا بحتا بحيث تختار الكلية و في نيتك فقط تحصيل عمل بعدها.

هذا يقع فيك الأغلبية الساحقة، و لولا الخوف من التعميم لقلنا كل واحد، لكن “التعميم قاتل” كما قال بذلك بنجامن فرانكلين Benjamin Franklin، فأكثر من يفكر في الجامعة يفكر فيها على أساس تحصيل الشهادة –و لو DEUG أي دبلوم الدراسات الجامعية العامة- فقط لتحصيل عمل قار، فهل من يدرس للتميز كمن يدرس لتحصيل عمل؟ طبعا لا، فشتان بين الاثنين.
اجعل نيتك اثناء اختيارك للمسلك هي تحقيق التميز الذي ينشده كل شخص، لا مجرد المسلك الذي يؤهلك لتحصيل عمل، و إلا فتحصيل العمل ميّسَّر سواء عن طريق الجامعة أو بدونها، لكن الناس ليست بحاجة لعمل بقدر ما هي في حاجة لعمل بمتطلبات خاصة، و لهذا لا نتعجب من كثرة العاطلين عن العمل، خالفني من خالفني أو وافقني من وافقني.
العمل سيأتي سواء طال الزمان أم قصر، و لا موجب للاعتداد بالعمر و سرعة التقدم فيه، فربما تتحصل على عمل لم تكن تحلم به و أنت قد تجاوزت الثلاثينيات من عمرك، في حين أنك قد تحصل على العمل الذي يؤرقك ليلا و نهارا و أنت لم تتجاوز العشرين بعد.


فكر في ما تحبه و فيما تبرع فيه و فيما تود تعلمه في نفس الآن.

اعتبر هذه معادلة رياضية، فهي كفيلة بأن تحقق النتيجة السليمة، إن تظافر هاته العوامل الثلاث كفيل بأن يضمن لك التميز و التفوق بعد اختيارك للمسلك، فهذه المعادلة تحقق لك اختيار صائبا للمسلك من جهة، و من جهة أخرى تخول لك إحراز قصب السبق في التميز في ما اخترته.
فكر دائما أنك لن تقدر على تحمل الصعاب و تجاوز العثرات إلا بعمل شيء تحبه، و تبرع فيه وتود إفناء عمرك كله في سبيل إتقانه، و هكذا يجب أن يكون تعاملك مع المسلك الذي ستختاره.


و أخيرا، فكر في وضعك المادي الحالي.

لهذه النقطة أهمية كبيرة، و أهميتها تلك تكمن في كونها يمكن أن تبعدك عن الجامعة لتفكر في ولوج مؤسسة تكوينية مهنية في المقابل، فالأمر متوقف على وضعك المادي بشكل كبير و بدون مبالغة، بالجامعة ستتطلب منك التوفر على مال يعينك على اقتناء الكتب و نسخها و شراء المراجع، و لا تكن مثل أولئك الذين يريدون النجاح دون أن يبذلوا في سبيله المال و الوقت و العناء.
فكر أن ولوج الجامعة لن يكون بالأمر الهين، و هو كذلك بالفعل، فمعه ستكون في حاجة لما لم تكن تحتاجه من قبل بشكل دائم، و قد يكون مال، و قد يكون عناء و تعبا، و قد يكون وقتا.
لا تغفل عن الجانب المادي مطلقا.

اشترك في آخر تحديثات المقالات عبر البريد الإلكتروني:

0 الرد على "كيف تختار التوجيه المناسب في الجامعة: توجيهات ونصائح"

إرسال تعليق

إعلان أسفل عنوان المشاركة

إعلان وسط المشاركات 1

إعلان وسط المشاركات اسفل قليلا 2

إعلان أسفل المشاركات