تناول الناقد بالدراسة والتحليل في هذا الفصل سمة الناقة الأم وما تحمله من دلالات، شأنها شأن الفرس وباقي الحيوانات التي لاقت اهتماما كبيرا من لدن الشاعر الجاهلي، وهي تحيل في عمقها إلى مظاهر النمو العقلي والروحي في هذا الشعر.
إن الناقة كحيوان رمز يحضر في الشعر الجاهلي وقصائده بشكل مكثف، وليس غريبا أن تعنى القراءات النقدية القديمة والجديدة بصورة هذا الحيوان.
إن تركيز الناقد على أحد شعراء العصر الجاهلي ثعلبة الخزاعيكان بهدف الكشف عن الأبعاد الرمزية واللاشعورية للناقة في البيئة الجاهلية، هذه الأبعاد حولها الشاعر إلى صورة جماعية؛ مما يعني أن وصف الناقة إنما هو تعبير عن حالة نفسية مضمرة في بواطن اللاوعي الجمعي، يقول الشاعر:
وَإِذا خَليلُكَ لَم يَدُم لَكَ وَصلُهُ فَاقطَع لُبانَتَهُ بِحَرفٍ ضامِرِ
وَجناءَ مُجفَرَةِ الضُلوعِ رجيلَةٍ وَلَقى الهَواجِرِ ذاتِ خَلقٍ حادِرِ
تُضحي إِذا دَقَّ المَطِيُّ كَأَنَّها فَدَنُ اِبنِ حَيَّةَ شادَهُ بِالآجُرِ
إلى أن يقول:
طَرِفَت مَراوِدُها وَغَرَّدَ سَقبُها بِالآءِ وَالحَدَجِ الرِواءِ الحادِرِ
يصنع الشاعر للناقة صفات من صنع العقل والإبداع، فهي قوية صلبة اجتمعت فيها صفات متعددة:”…وجناء، صلبة، عظيمة الضلوع، سريعة الخطو تستطيع أن تسير في الهاجرة دون أن يصيبها أذى، أشبه بقصر بناه رجل بالجص، تقاوم التغيرات، تتكون مما يشبه العمد، سليمة البدن، قادرة على حل المشكلات”.
وهذه الصورة حسب المؤلف خيالية صنعها العقل والإبداع، ومن خلال تلك السمات أمكن إعطاؤها صفة الأمومة؛ لصبرها، وقدرتها، ورغبتها في استمرار الحياة كاستمرارية النخلة في أذهان العرب.
إن الناقد يقدم لنا نماذج شعرية لرمزية هاته الناقة عند امرئ القيس، هي مفتاح الخير، والرحمة، والبركة. في حين نجد من الشعراء من صورها للمعاناة، والعذاب، والعقاب، بل حتى للصراع، والحرب. خصوصا عند الشاعر زهير بن أبي سلمى الذي يستحضر صورة ناقة صالح عندما اقترنت بالحمار الوحشي. هي رمز للهموم والقلق عند الشاعر المثقب العبدي، ورمز للعمل والحركة الدائبة عند الشاعر عبدة ابن الطبيب.
يقول زهير:
وَمَا الحَرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتمْ وَذُقْتُمُ وَمَا هُوَ عَنْهَا بِالحَدِيثِ المُرَجَّمِ
مَتَى تَبْعَثُوهَا تَبْعَثُوهَا ذَمِيمَةً وَتَضْرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُوهَا فَتَضْرَمِ
فَتَعرُكُّمُ عَركَ الرَحى بِثِفالِها وَتَلقَح كِشافاً ثُمَّ تَحمِل فَتُتئِمِ
فَتُنتَج لَكُم غِلمانَ أَشأَمَ كُلُّهُم كَأَحمَرِ عادٍ ثُمَّ تُرضِع فَتَفطِمِ
يبرز الشاعر في هذه الأبيات أن الحرب ليست إلا كما عهدتموها وجربتموها ومارستم كراهتها، وما هذا الذي أقول بحديث مرجم عن الحرب، أي هذا ما شهدت عليه الشواهد الصادقة من التجارب وليس من أحكام الظنون. ليستحضر بعد ذلك الناقة التي تعقر وكأنها دلالالة على الدمار والهلاك، رغم رمز الخصب وتجدد الحياة فيها.
لينتقل بعدها مصطفى ناصف لدحض فرضية الاستطراد في قصة الناقة، وصلتها بالنخل أو الحمار الوحشي أو الظليم (ولد النعام)، بل يرى أن الصورة التي ترسخت في ذهن الشاعر إنما هي جزء من الحياة الجاهلية التي تدعو للعمل على اعتبار أنه المخرج من سجن الخيال والحلم والانفصال – على حد تعبير الناقد- وهو التصور المحاكي لعالم الناقة.
مما سبق يتبين أن الناقد في هذا الفصل يحلل صورة الناقة على غرار صورة البطل، فإذا كانت أسطورية الفرس تتجسد في الشعر الجاهلي كأب، فإن رمزية وأسطورية الناقة جسدها كأم من خلال ذلك الصراع المأساوي والتوتر الدرامي الذي عاشه الإنسان في ذلك العصر من تمزق ذاتي وموضوعي، بين اللاشعور الفردي واللاشعور الجمعي، في قصائد تعبر عن وجود الإنسان داخل نمط حياة بكل أبعادها المادية والروحية.
فماذا عن الأرض الظامئة؟ وما المنظور الأسطوري فيها حسب الناقد؟
من انا من انت من نحن هل تعلم ان ميلاد سعيد عبد العظيم عبد الفتاح حسن البنا في كل عام وانتم بالف خير بمناسبة عيد الفطر المبارك. . . ج -
ردحذفشكراً لك أو لك أو لك مهم شكرا
ردحذفشكرا على مجهوداتكم
ردحذفشكرا
ردحذف