-->

المجزوءة الأولى: الشعر العربي الحديث إحياء النموذج: نص نظري: المدرسة التقليدية (عمر الدسوقي)




Ø      مـــقـــدمـــة

شهد العالم العربي إبان القرن التاسع عشر الميلادي نهضة أدبية واسعة تمثلت في إحياء نموذج القصيدة العربية القديمة. وقد اصطلح على حركة إحياء النموذج أسماء وأوصافا عدة منها: مدرسة البعث والإحياء، المدرسة الإحيائية، الكلاسيكية الجديدة، التقليدية، الاتباعية. وهي الحركة الأولى التي مثلت بدء انعطاف جديد في الشعر العربي الحديث للقضاء على مظاهر الجمود التي أصابته وحصرته في الزخرفة اللفظية (المحسنات البديعية). وقد قامت هذه الحركة على أساس بعث الموروث الشعري القديم في عصور ازدهاره وجعله مثلا يحتذى ، من خلال استلهام أغراض القصيدة العربية القديمة وطريقة نظمها وبنائها.

وعموما فالمقصود بحركة البعث والإحياء، تلك الجهود التي قام بها شعراء البعث في بداية عصر النهضة العربية الحديثة لإنقاذ الشعر مما آل إليه من ابتذال بفعل عوامل الانحطاط. ولتحقيق هذا الهدف اعتقد شعراء النهضة انه لا مفر من الرجوع إلى الماضي لإحياء الشعر العربي كما كان في عصوره الذهبية (العصر الجاهلي- العصر الأموي- العصر العباسي- العصر الأندلسي) فحافظ على الوظيفة الأخلاقية للشعر. ومن بين رواد البعث والإحياء نجد: البارودي، أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، محمد مهدي الجواهري، علال الفاسي محمد بن إبراهيم.

و النص الذي بين أيدينا للناقد المصري عمر الدسوقي يُعرف فيه بهذه المدرسة الشعرية ويذكر خصائصها. نفترض من خلال العنوان الذي جاء عبارة عن جملة اسمية يحمل دلالة على مذهب شعري يقوم على استلهام التقاليد الفنية للقصيدة القديمة من حيث البناء واللغة والمعاني والأغراض، ومصدره وصاحبه وبدايته ونهايته أن يكون النص مقالة حجاجية تنتمي إلى الكتابات النظرية الأدبية  التي اهتمت بدراسة تجربة الشعراء البعثيين، وسيتناول فيها خصائص القصيدة التقليدية ودور البارودي وتلامذته في بعث الشعر العربي القديم. فما الطريقة التي اعتمدها الكاتب في بناء النص؟ وما الأساليب الموظفة في عرض القضية المطروحة؟

Ø      عـــرض

 تكشف لنا قراءة النص أن الكاتب يعالج فكرة محورية تتمثل في إبرازه للدور الذي لعبه البارودي وتلاميذه في بعث الشعر العربي القديم، مع تحديد أهم الخصائص التي تميز القصيدة الإحيائية من حيث الأسلوب والبناء والإيقاع والموضوعات الشعرية والمعاني المتداولة. وتجسدت هذه الفكرة  في أفكار أساسية وفق التصنيف الآتي:

-          دور البارودي  في إحياء الشعر العربي والنهوض به.

-          التزام الشعراء الذين جاءوا بعد البارودي بالسير على منواله.

-          تقليد شعراء المدرسة التقليدية للعصور الذهبية في الشعر العربي القديم.

-          أهم الخصائص الأسلوبية والإيقاعية المميزة للقصيدة الإحيائة .

-          الموضوعات الشعرية والمعاني التي طرقها الشعراء البعثيون .

وبانتقالنا إلى الإشكالية المطروحة في النص، يبدو لنا جليا أن الدسوقي يعالج إشكالية أساسية هي: الدور الكبير الذي لعبه البارودي وتلاميذه في إخراج الشعر العربي من وضع الانحطاط والجمود والركود وذلك من خلال عرض خصائص المدرسة التقليدية (القصيدة الإحيائية) والمتمثلة في:

-          نظام الشطرين – البحر الواحد – الروي الواحد – القافية الموحدة

-          العناية بالأسلوب الجزل والمصقول والخالي من الركاكة

-          الاهتمام بالنظم في غرض المدح والتقليل من الوصف

-          الالتزام بالمبتذل من المعاني، المأخوذ معظمها من الأدب العربي القديم، والتي لاتجاري زمنهم في أغلب الأحيان.

وقد وظف الناقد عمر الدسوقي في نصه هذا معجما نقديا تتوزع فيه الألفاظ بين الدلالة على شعر الانحطاط والدلالة على شعر النهضة كما يوضح الجدول التالي:

ü      الألفاظ الدالة على شعر الانحطاط: الزخرفة والطلاء الغث، الركاكة، ضحالة المعاني، الضعف والعجمة.

ü      الألفاظ الدالة على شعر النهضة: تقليد الشعر العربي القديم، متانة الأسلوب، استخدام القصية بمظهرها المعروف، الروي الواحد، القافية الموحدة، الوزن الواحد،...

نلاحظ من خلال المعجم أعلاه أن الألفاظ المرتبطة بشعر النهضة هي المهيمنة، وذلك تماشيا مع موقف الكاتب الساعي إلى إبراز سمات القصيدة التقليدية. أما فيما يخص العلاقة القائمة بين الحقلين فهي علاقة تناقض.

إضافة إلى ما سبق، لقد اعتمد الكاتب على منهجية محكمة تقوم على:

v     الاعتماد على مهارة الشرح والتفسير باستعمال الأساليب التالية:

·         التعريف: " أو تركوا النسيب كما فعل ذلك من قبلهم بعض شعراء العصر العباسي حيث بدأوا بالغرض من غير تلك المقدمة الموروثة عن الجاهلية.

·         التشابه والتماثل: وهو أسلوب كثير في النص نتيجة المقارنة التي يقيمها الكاتب بين شعراء المدرسة الكلاسيكية ورواد الشعر العربي القديم. ومثال ذلك في النص:" وكثيرا ما ابتدأوا تلك القصيدة بالنسيب كما كان يفعل شعراء العرب الأقدمون".

·         السرد: وهو كثير في النص " كلن – قلدوا- عرف – وصفوا...."

·         الوصف: "كان أغلبهم متزمتا جادا في حياته ".

v     قيام النص على لغة تقريرية مباشرة مختزلة تتمثل في الاستناد إلى اللغة العلمية المنطقية بالشرح والاستدلال والبساطة في التعبير. إضافة إلى الأسلوب الخبري. ولأن موضوع النص موجه إلى الفكر والعقل، اعتمد الكاتب أسلوبا يخاطب العقل أكثر مما يخاطب الشعور، وهو ما جعل النص مفعم بالتقنيات التالية:

§         الاستنتاج: " وبعدن فهذه أهم خصائص تلك المدرسة".

§         الاستدراك: " على أن هذه الخصائص المشتركة بين شعرائها...".

§         التعليل: " ليثبتوا أنهم يجارون عصرهم والحضارة التي يتمتعون بها ".

§         التوكيد: " لقد قلدوا الشعر العربي القديم ".

§         التدرج: وجاء بمظهرين: من الخاص إلى العام ( الحديث عن البارودي باعتباره رائد المدرسة التقليدية، ثم الانتقال إلى الحديث عن شعرائها الآخرين). ومن العام إلى الخاص( كالانتقال من الحديث عن خصائص المدرسة التقليدية عموما إلى التفصيل في تلك الخصائص.

v     بناء النص وفق تصميم منهجي محكم، وذلك بفضل الانسجام والاتساق والتماسك الذي قام عليه، والذي ساهمت فيه مجموعة من الروابط مثل: "الواو" التي توجد في بداية أغلب الفقرات. و"الفاء" والفعل "كان" والضمير والعديد من الوحدات اللغوية الأخرى.إن وجود هذه الروابط ساهم أيضا في تسلسل الأفكار مع قيام النص على نظام الفقرات، حيث إن كل فقرة استقلت بمضمون معين وجاءت الأخيرة ملخصة للفقرات السابقة. وبذلك يمكن اعتبارها خاتمة للنص.

Ø      خـــاتـــمـــة.

       من خلال دراستنا لهذا النص ملاحظة وفهما وتحليلا، نخلص إلى القول بأنه مقالة حجاجية تفسيرية تتناول تحديد السمات العامة للقصيدة الإحيائية من وجهة نظر عمر الدسوقي. وتتحدد قيمة هذا النص في كونه وتتحدد قيمة هذا النص في كونه إضافة مهمة على الساحة النقدية العربية. 

اشترك في آخر تحديثات المقالات عبر البريد الإلكتروني:

0 الرد على "المجزوءة الأولى: الشعر العربي الحديث إحياء النموذج: نص نظري: المدرسة التقليدية (عمر الدسوقي)"

إرسال تعليق

إعلان أسفل عنوان المشاركة

إعلان وسط المشاركات 1

إعلان وسط المشاركات اسفل قليلا 2

إعلان أسفل المشاركات